الجزء 20

17 1 0
                                    

#الجزء_20

🔹كانت الصلاة أول عقبات الطريق، وقد مكثتُ في محطاتها عدداً من السنين حتى تمّ تحميلي بكل ما قصّرتُ بحقّها، كما أن صورة صلاتي الحقّة قد تجسمت وحضرت لتُزيل عني بعض أشواك طريق اقتحامها، وألقَت باللَوم عليّ أن لم أراعي أدائها في أوقاتها، ولم أستحي من ربّي حين الوقوف بين يديه فيها، إذ كان فكري يهرب منه هنا وهناك !
قلت للصلاة :
🔹كنت كلما حاولت أن أحفظ طائر الخيال في الصلاة أن لا يهرب مني لم أجد جدوى في ذلك، وما أشعر إلا وقد ذهب إلى أمر من أمور الدنيا، تاركاً بدني يُقيم الصلاة وحده، دون حضور القلب معه.
أجابتني الصلاة وقد أنكرت عليّ كلامي، وأبطلت حجّتي :
❗️إن القلب إذا تعلق بشيء وأَحبه، يكون ذلك المحبوب قِبلة لتوجه فكره حيثما كان، فإن منعه مانع وشغله شاغل عن التفكير فيه، والعيش معه، عاد مرّة أخرى ليطير شَطر محبوبه بمجرد إرتفاع المانع وقلّة الإشتغال، وأنت يا سعيد...

قاطعتها قائلاً:
🔹إن محبوبي لم يكن سوى الله .
قالت:
❗️من أحب الله لم يتركه وهو في حضرته وبين يديه، أليس كذلك؟
🔹ماذا بوسعي أن أقول لها؟ لزِمتُ الصمت، ولم أجبها بشيء .
قالت :
❗️كان حبك للدنيا أكبر من حبك لله وقد أنكرت على نفسك ذلك .
كنتَ إذا حان وقت الصلاة وكبّرتَ تكبيرة الاحرام مستنفراً كل قواك لأن تكون مع الله، سرعان ما يطير قلبك إلى محبوبه وهو الدنيا، ليتعلق بها مرّة أخرى.
وصلاة كهذه لم تقربك من مقام الحق تعالى، (1) ولم تُزيل عن قلبك الظلُمة والكُدورة التي كُنتَ تشكو منها.

توقفَتْ قليلاً لتعطيني فرصة التعليق على كلامها، فسألتها:
🔹إذاً سبب فرار الفكر وطائر الخيال من الصلاة هو التعلق بالدنيا؟
قالت الصلاة: نعم.
قلت:
🔹وماذا كان بوسعي أن أعمل كي أتخلص من حالةٍ كهذه.
قالت الصلاة:
❗️كان عليك أن تخلع شجرة حب الدنيا بجذورها من قلبك، بالتفكّر والتدبّر في حقارتها، وزوالها مقابل عظمة الآخرة وأبديتها، وكان عليك أن تعرف الله، وتستحضر عظمة من تقِف بين يدَيه، وحقارة شأنك أمامه، وكلما ازددت معرفة بالله ازددت حباً له وتوجهاً إليه وتعلّقاً به، وكان تصديقك به صادقاً وتوحيدك له كاملاً، أما علِمتَ أن أول الدين معرفة الله، وكمال معرفته التصديق به، وكمال التصديق به توحيده، وكمال توحيده الإخلاص له(2)

تأسفتُ وندمت أشد الندم لتضييع الصلاة في الدنيا فيا ليتني أعود لأصلي لو صلاةً واحدة!

ولكن هيهات من العودة..
فانطلقتُ إلى العقبات الأخرى، وكان عملي الصالح يصاحبني أحيانا ويرافقني أخرى، وذات مرّة سألته عن عقبة مساعدة الفقراء والمساكين ..
----------------
(1) مستدرك الوسائل، عن النبي (ص): إن من الصلاة لَمَا يقبل نصفها، وثلثها وربعها وخمسها إلى العشر، وإن منها لَمَا يُلفّ كما يُلفّ الثوب الخلق، فيُضرَب بها وجه صاحبها، وإنما لك من صلاتك ما أقبلتَ عليه بقلبك.
(2) نهج البلاغة، خطبة1.

#يتبع
#في_أمواج_القيامة

#في_أمواج_القيامةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن