الجزء 11

19 1 0
                                    

#الجزء_11

إقترب المأمور من جمال، وقال مخاطباً إيّاه بلهجة غاضبة :
🔺إنّ لسعيد هذا مظلومية عندك، فماذا لديك كي يستوفيها منك ؟
صاعقةٌ كبرى نزلت على جمال حينما رآني لأول مرّة في ساحة المحشر، وصُدِم صدمةً عظيمةً جعلته ساكناً جامداً، لا ترى في أعضائه حركة، ولا دبيب إلا دبيب العرق الجاري، والدماء السائلة على بدنه المحترق.

العجيب أني شاهدتُ عليه نفس ملَكاته التي كانت حاكمة عليه في عالم الدنيا، من الغضب والكذب ونكران الحق.. فاشتعل وجهه غضباً، وازداد سواداً وتفحّماً، وصرخ بوجه الملك قائلاً:
🔹إنني لم أعرف سعيد، وليس لديه أي مظلومية عندي.
غضبتُ لكلامه، وصرختُ بوجهه:
🔸إنّك قتلتني، وعدمتني الحياة في الدنيا، حرمتني من فرصةٍ لا تقدّر بأثمان، ولولا فعلتك هذه لشغلتُ ما بقي من عمري في طاعة الله، ولرفعت درجتي بأعمالي، ولادّخرت ليومي هذا ما وَسِعني.
قال الملك المأمور:
🔺إنّ حالَك وصورتك يا جمال تدلّ وتشهد على ذنبك بحقّه.
صرخ جمال مرّة أخرى وقال:
🔹إنه يكذب إنه يكذب...
وبين ذلك الصراخ والعويل، وإذا بصوت يخرج من نفس بدن جمال..

صمتَ الجميع وإذا بيديه تنطقان وتقولان
كما قال تعالى: (( يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )):
👐🏻ونحن نشهد عليه، إنه قتل سعيداً ظلماً، اذ استعملَنا لإلقائه من أعلى الطابق الخامس إلى الأرض، فبِنا عدمه الحياة في الدنيا وكنا شاهدَيْن على ذلك.
دُهِش الجميع من شهادة اليدين..لا سيما جمال الذي بقي مبهوراً مدهوشاً، لا يعلم ما يقول.. وقبل أن يتفوه بكلمة واحدة نطق جلده ليشهد هو الآخر بقوله:
✋🏻وأنا أشهد عليه، إنه قتل سعيداً ظُلماً بغير حق.

دُهِشتُ من ذلك وسادَ الصمت على الجميع مرّة أخرى، أمّا جمال فعاد يصرخ ولكن هذه المرّة على يدَيْه وجلده:
🔹لِمَ شهدتما بهذه الشهادة، ألا تخافان أن يصيبكما العذاب والنار ؟
نطق جلده مرّة أخرى وقال:
✋🏻لقد كنتَ غافلاً يا جمال عن اليوم الذي يتحقق فيه قول الله تعالى : (( وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ))

لقد عدتَ يا جمال إلى الله الذي خلقك أول مرّة، ولكن إلى إسمه المنتقم الجبّار، بينما عاد غيرك إلى الله بإسمه الرحيم الغفّار.. وإنّما العذاب يصيبُك أنت لا غيرك، وما أنا سوى ناقلٍ له إليك، وسوف يتحقق وعيد الله لك، ويكون حالَك معي
كما قال تعالى : (( كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً )).

ما أن أكمل الجلد كلامه حتى سمعنا نداءً من الأرض، ويبدو أنها كانت منتظرة فرصتها في الشهادة، إذ قالت :
🌎أنا الأرض أشهد أن جمال ألقى بسعيد من مكان مرتفع، وفارق حياته الدنيا على سطحي الممتلئ بقطع من الحديد المبعثر.

لم يبقَ لجمال كلمة واحدة يتفوه بها ليدافع عن نفسه أو يُكذِّب بها شهوده، لذا استسلم ونكّس رأسه منتظراً ما سيُفعل به...

#يتبع
#في_أمواج_القيامة

#في_أمواج_القيامةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن