الجزء 42

12 1 0
                                    

#الجزء_42

✨صحيحٌ أن والدك كان يُقيم مجالس العزاء ولكن همّه الأول والأخير كان إبكاء الناس وإضفاء حرارة قُصوى على مجلسه، و إن كان ذلك بعرِض مآسي مفتعلة، وأكاذيب مختلفة تُهين الحسين ونهضته.. كان يعلم بكذب القارئ فلماذا يدعوه؟ ولماذا يصرف الأموال له ويُكرمه؟

كان يمشي راجلاً أياماً طوالاً لزيارتي لا لشيء إنما ليقول الناس عنه أنه مُحب للحسين.

ولم يجعل لله نصيباً في نيّته وعمله هذا..
والوَيل لِمَن يعمل للمملوك ويترك المالك المُطلق..

✨توقفَ قليلاً ثم أضاف:
إذا كانت المدرسة مُشوهة بالأكاذيب، فكيف يمكن للأمة أن تَنهل منها؟ وإذا كانت محجوبةً بظلام التزوير، فكيف تستنير الأجيال بأنوارها؟

إننا أردنا أن تبقى مواقف واقعة عاشوراء حيّة إلى الأبد تُنادي: ( ألَا ترَون الحق لا يُعمل به، وأن الباطل لا يتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء الله محقاً )، وأردنا من نهضة عاشوراء أن تعلم الأجيال كيف يكون الإخلاص لله، والعشق للقائه في ظروف المأساة، وتكالُب الأعداء، وقتل الأبناء والأحبة.
أردنا أن يبقى جواب زينب لابن زياد خالداً ما بقيَت الدنيا، يطرق أسماع أهلها: (ما رأيتُ إلا جميلاً)، يُعلمهم كيف تكون المرأة عزيزة أمام الطُغاة بطاعة الله، وأن كل مصيبة ومشقة جميلة في الله.

✨ أردنا أن تعرض مأساة كربلاء كما هي في كل عام أمام الأنظار، كي يقتدوا من خلالها بالمواقف الحقّة لأصحابي وأهل بيتي، لا بالقصص المفتعلة علينا في بعض مجالس العزاء، ومن فوق منابرها.

نظر مولاي إلى الحشد العظيم الذي ساده الصمت والسكوت، ثم التفتَ نحوي وقد بدا عليه أثر تأسّف عميق، ثم قال:
إنني أتأسف كثيراً على والدك وأمثاله الذين جرّتهم حبائل حب الدنيا إلى اصطناع القصص الواهية علينا، أملاً في جذب الناس لهم، ورغبةً لأن تكون مجالس عزائهم مملوءة بالبكاء والنحيب...(١)

✨ طالَ اللقاء، ولا أحد يرغب في نهايته وقُدِّم للحاضرين ما شاء ربّي من نعيم الجنة ومأكلها ومشربها، وارتفعت درجات العديد منّا بشفاعته..

ثم غادرَنا..
أجل غادرَنا ودموع الحاضرين تسيل أسفاً على فراقه، وشوقاً للقائه مرّةً أخرى...

✨ مضى وقتٌ طويل، ونحن ننتظر قدوم والدتي إلينا، حتى جاء خبرها أنها في الطريق، وسوف تصل إلى مكان ( مُلتقى الأحبّة ) عند جنة من جِنان الخُلد.
توجهتُ مع زوجتي إلى ذلك المكان بعد أن أعلمتُ هُدى بالأمر.
وصلنا المكان المقصود، فكانت جنة من أوسع الجنان، تفوق جنتي بكثير، وفيها أصناف من الملائكة أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع، وفيها من الخدم والجواري ما يزيد على مملكتي بكثير...
-----------------
(١) لم يكن نص هذا الحوار مع الإمام الحسين (ع) منقولا بالنص عن رواية أو كتاب معين، بل بالمعنى الذي جمعناه من مصادر معتبرة..

#يتبع غدا مع الحلقة الأخيرة
#في_أمواج_القيامة

#في_أمواج_القيامةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن