تأخر وليد! قال إنه نسي شيئا وسيعود في الحال.. وتركني جالسة في السيارة والتي لم يشغل محركها ولا مكيفها! شعرت بالحر والاختناق ففتحت باب السيارة أتنفس الهواء الطلق.. وبعد دقائق داهمني الشعور بالقلق.. لماذا تأخر وليد؟؟ خرجت من السيارة واستخرجت عكازي منها وذهبت كي أتفقده.. ذهبت مباشرة نحو غرفته ورأيت الباب مفتوحا.. ولم يكن علي إلا أن ألقي نظرة عن بعد عبر فتحه حتى أرى حبيب قلبي يعانق أكثر فتاة كرهتها في حياتي.. على الإطلاق.. الصورة أعشت عيني.. وخدرت أصابعي.. ومزقت بقية أربطة مفاصلي فتفككت وانفصمت مفصلا مفصلا.. انسحبت أجر أطرافي جرا وأتخبط في سيري حتى بلغت الباب الرئيسي وخرجت إلى الشمس دون أن أرى شيئا.. شعرت بالعتمة تلون كل ما حولي.. وبمفاصلي المنفصمة تخر هاوية.. أمسكت بالباب أنشد دعمه لكنه أرجحني معه.. وحتى عكازي.. خانني في آخر لحظة وسلمني أسيرة الوقوع أرضا.. ربما رق الحجر لحالي؟ لم أشعر بأي ألم.. أو ربما البنج الذي سببته الصدمة لي أتلفت أعصابي الحسية.. فما عدت أشعر بأي شيء.. أي شيء.. ثوان وإذا بالباب يتحرك ومن خلفه يطل الرجل الطويل.. العملاق الذي أحبه.. والذي رغم كل السواد.. والظلام والعتمة.. استطعت رؤيته.. والذي فور رؤيتي له تدفق النزيف من قلبي مجتاحا كل المشاعر.. كان يتكلم.. لكنني لم أسمعه.. ثم رأيته يجلس على العتبة قربي ويمد يده إلى عكازي.. ويقربه مني.. ماذا يقول هذا الرجل؟؟ ماذا يطلب مني؟؟ هل يريد أن أقف؟ ألا يرى مفاصلي مفككة؟؟ ألا يرى عضلاتي مشلولة؟؟ ألا يرى الدماء تغرق جسدي؟؟ ألا ترى كل ذلك يا وليد؟؟ ألا ترى كل ذلك؟؟ أسنتدت رأسي إلى الجدار.. وأغمضت عيني.. وتمنيت ألا أفتحهما بعد الآن أبدا..
*****************************
"رغد ماذا جرى لك؟" قلت ذلك ومددت يدي تلقائيا إلى وجه رغد وضربته بخفة... فقد كانت نغمضة العينين وكأنها ستفقد وعيها.. ولي معها سابق مواقف.. فتحت رغد عينيها ونظرت إلي مباشرة. قلت مفزوعا: "أأنت بخير؟؟" نظرت رغد من حولها أولا وكأنها تستفيق من نوم أو إغماءة.. بدا على وجهها التيه والضيعان..ثم نظرت إلي وكأنها ليست واثقة ممن أكون.. ثم وضعت يدها على جبينها كأنها تسترجع الذاكرة.. وأخيرا قالت: "تعثرت بالعتبة". قلت بلهفة: "سلامتك.. هل أصبت؟" فحركت رأسها نفيا.. مددت يدي لأساعدها على النهوض: "قومي بنا إلى السيارة". لكن رغد لم تقم بل أسنتدت مرفقها إلى رجلها ورست برأسها على كفها اليسرى وقالت: "انتظر قليلا.." وظهر عليها الإعياء.. ما فجر سيول قلقي المتكدسة منذ الظهيرة.. قلت: "رغد.. يبدو عليك الإعياء.. أخبريني بصدق.. هل أنت بخير؟ هل تشعرين بدوار؟"
أومأت رغد بنعم, لكنني لم أطمئن.. قلت: "لا تبيدين كذلك.. أراهن أنك لم تسمعي كلامي, ولم تأكلي شيئا.. أليس كذلك؟" ولم ترد.. فتأكدت من شكوكي وقلت بغضب ممززوج بالقلق: "متى تتوقفين عن هذا العناد...؟ هل يجب أن تكرري ما حصل وتجففي دمائي من القلق عليك؟ جسمك أضعف من أن يتحمل عنادك.. رأفة بنفسك وبي.. لقد أهلكتني". ولم أنتبه لقسوة كلماتي إلا حين رأيت وجه رغد يلتفت إلي ويكفهر ويصفر.. بعدها قلت بنبرة ألطف: "سوف لن نغادر وأنت بهذه الحالة". هنا اعترضت رغد وقالت" "كلا أرجوك.. أنا بخير الآن". قلت مناقضا ادعائها: "لا لست بخير.. أرى هذا بوضوح". قالت مصرة: "أنا بخير.. صدقني.. تعثرت بهذه العتبة لا أكثر.. دعنا نذهب الآن". ثم أمسكت بالعكازونهضت واقفة لتثبت لي أنها على ما يرام.. لكني أعرف أنها ليست كذلك.. إنها تلتهم أنفاسها النهاما وتتحرك ببطء.. ويطغى الشحوب على وجهها.. قلت: "دعينا ندخل إلى الداخل.. ستتناولين وجبة كبيرة وتنالين قسطا من الراحة قبل أن نغادر". رغد استماتت معترضة: "رجاء وليد... دعنا ننصرف الآن". لم أصدقها وبقيت مصرا على موقفي, وهي مصرة على عنادها... "لن نتحرك خطوة واحدة وأنت بهذا الشكل.. ماذا إن انهرت علي في الطريق؟؟ واضح من لونك أنك مرهقة. ستدخلين الآن إلى المنزل وتأكلين بعض الطعام ماذا وإلا فأنني سأؤجل الرحلة إلى الغد". وأمسكت بيدها بلطف أحثها على السير نحو الداخل غير أنها سحبتها وقالت ببعض العصبية: "قلت لك لا أريد شيئا من هذا المكان.. ألا تفهم؟؟" حينها أدركت موقفها.. فقلت: "في هذه الحالة... إذن.. سنمر بأحد المطاعم قبل المغادرة". ولم تملك رغد إلا أن تنصاع للأمر.. سرنا عائدين إلى السيارة ببطء وحذر.. وهي بعكازها.. وأنا بحقيبة سفري.. جنبا إلى جنب.. وخطوة بخطوة.. كنت خاش عليها أن يداهمها الدوار كما في المرة السابقة, لا قدر الله... فتحت الباب الأمامي وطلبت منها الجلوس.. على المقعد المجاور لمقعدي... لتبقى على مقربة مني.. وتحت ناظري مباشرة.. وانطلقنا بعون الله... توقفت عند أحد المطاعم واشتريت لها وجبة كبيرة أجبرتها على تناولها عن آخرها.. وأعترف بأنني كنت صارما معها.. فأعرف أن جسدها النحيل لا يحتمل الجوع الطويل.. وبعد تجربتي الأخيرة معها في منزلنا الكبير... لن أسمح لها التهاون بشأن الطعام... طوال المشوار.. رغد كانت صامتة صمتا مغلقا.. أنا غير مرتاح من حالها اليوم ولكنها لم تشأ إخباري بشيء... والله الأعلم.. بم تفكر الآن... أما أنا, فإلى جانب تفكيري بها كنت أفكر بقلق في عائلة خالتها وما سيقولونه عن إصابتها... وسرعان ما ثبت لي أن مخاوفي في محلها... أم حسام, وبمجرد أن رأت الصغيرة تدخل المنزل بالعكاز.. لطمت على وجهها وصرخت: "ابنتي.. ويلاه". وأقبلت مسرعة مولولة.. وضمت الفتاة إلى حضنها وبدأت بالنواح.. ورغد سرعان ما انفجرت بكاء عميقا على صدر خالتها مما زاد الأمر دراما واشتعالا... أردت أن أتكلم.. أن أسلم.. وأوضح الأمرفقلت: "خالتي". ولم أكد أتم الكلمة حتى رأيت أم حسام ترفع رأسها وتنظر إلي وقد توهج وجهها احمرارا وفاضت الدموع من عينيها وتطاير الغضب من بؤبؤيها وإذا بها تصرخ: "ماذا فعلت بالفتاة أيها المتوحش؟ لا بارك الله فيك ولا في اللحظة التي تركت ابنتي فيها تحت رحمتك أيها المجرم القاتل". ذهلت... صعقت.. ووقف شعر رأسي من كلامها الجنوني... ألجم لساني من الهول... حاولت النطق بأي شيء.. فإذا بها تمطرني بدعوات شريرة مزلزلة... "لا بارك الله فيك... لا وفقك الله في شي... حطم الله قلبك كما حطمت قلبي على ابنة أختي". صرخت: "رغد". مستنجدا.. قولي شيئا! تظن خالتك أنني كسرت عظامك وعن عمد... قولي شيئا يا رغد.. أوضحي لهم... لكن رغد لم تتكلم.. حتى أنها لم تنظر إلي.. التفت من حولي فرأيت أعين بقية أفراد العائلة تحملق بي والشرر يتطاير منها.. ما هذا؟؟ أكلكم تظنون أنني كسرت عظامها؟؟ هل تعنون هذا؟؟ فجأة سمعت صوت حسام يقول بحدة: "ماذا فعلت بها؟". أجابت أم حسام منفعلة: "ألا ترى؟ كسر عظامها كسر الله عظامه ودكها دكا". أبو حسام تدخل ها هنا وقال: "رويدك يا أم حسام هداك الله... دعينا نسمع منه ما حصل". والتفت إلي وقال: "هيا بنا إلى الداخل". ووقفت مكاني مذهولا من موقف أم حسام المهاجم بعنف دون استيضاح الأمور... ومن موقف رغد الصامتة وكأنها تؤيد خالتها في هجومها اللاذع ضدي... نظرت إلى رغد شاعرا بالخذلان.. كيف تدعيهم يظنون بي هكذا ثم لا تدافعين عني ولا بكلمة ولا إيماءة واحدة؟؟ أم حسام سارت مسندة لرغد التي خطت بعكازها مبتعدة عني... دون أن تلقي علي أي نظرة... قال أبو حسام: "تفضلوا جميعا". بقيت واقفا متسمرا في مكاني يحول ذهولي من كلام أم حسام دون حراكي, فالتفت أبو حسام إلي ومد يده نحوي وقال: "تفضل وليد". وسرنا جميعا نحو المدخل... يسبقنا نواح أم حسام... الطريق بين بوابة السور الخارجي للمنزل والباب الداخلي له طويل لحد ما.. يتخلل حديقة المنزل الأمامية... قطعنا المسافة صامتين إلا عن ولولة أم حسام التي أحدثت في قلبي صدعا بالغا... عندما وصلنا إلى باب المنزل قلت قاصدا تنبيهها: "انتبهوا... إنها لا تستطيع صعود الدرجات". وتقدمت بقصد مد يد العون إلا أن أم حسام زجرتني بقسوة: "دع الفتاة لي". فابتعدت والعرق يتصبب مني حرجا.. واقتربت ابنتة خالة رغد الكبرى ومع والدتها ساعدت رغد على الصعود... قادني أبو حسام إلى غرفة الضيوف وأحسن ضيافتي.. أما حسام فقد كنت أشعر بألسنة النار تندلع من عينيه وهو يراقبني بتربص... أخيرا شرحت لهما ما حصل وبينت أنه كان حادثا عرصيا.. غير أن ذلك لم يخفف وطء المصيبة على حسام الذي قال معقبا: "ولماذا لم تبلغنا عن الحادث منذ البداية؟ إلا إذا كان هناك ما تريد إخفاءه أو تحريفه". أبو حسام زجر ابنه..والأخير رمقني بنظرة ملؤها الشك والنقمة.. قلت: " أحرف ماذا؟؟" رد وهو يقوم واقفا: "سأعرف هذا من رغد". وغادر الغرفة...
أنت تقرأ
أنت لي (مكتملة)
Короткий рассказرواية رائعة رومنسية حزينة تحكي عن شابة و إبن عمها فرقتهما الأقدار بسبب أحداث كثيرة لكنهما يجتمعان من جديد و يكملان قصة حبهما