🍁الحلقة 39 الجزء الثاني🍁

600 11 0
                                    

تركتها تبكي لبعض الوقت... فقد كانت بحاجة لذلك... ثم قلت مشجعا وأنا المنهار المكسور :

" اطمئني يا رغد... سيتعافى بإذن الله "

بعد هذا ذهبنا إلى السيارة و بقينا في داخلها نعد الثواني و الدقائق و الساعات... و قلبانا لهجان بالدعاء و التضرع إلى الله... و كنت أمر لتفقّد شقيقي بين فترة و أخرى و أراه لا يزال نائما ... و أرى كيسا يحوي مجروش الثلج يوضع على رأسه من حين لآخر... 

في آخر مرة... و أنا أتأمل شقيقي عن كثب، و هو بهذه الحال السيئة... و وجهه شديد الشحوب و شعره قد طال و تبعثر فوق جبينه و الجليد ينصهر في الكيس الموضوع عليه... و الدماء متخثرة في أنفه المعقوف... و بعض آثارها تختبئ بين شعيرات ذقنه النابتة عشوائيا...  و الأنفاس الشاهقة الساخنة تنطلق عبر فمه و الندب القديمة تغطي جسده فيما السائل الوريدي يتدفّق إلى عروقه بسرعة... و أنا أتأمل كل هذا و ذلك ... شعرتُ بأسى شديد عليه... كم بدا لي... مريضا ضعيفا عاجزا... و هو ذلك الجبل القوي الذي لم يتزعزع لدخوله السجن أو لكارثة تدمير مدينتنا أو لوداع شقيقتنا... أو لفاجعة موت والدي ّ ... حقيقة كان هو الأقوى و الأصلب من بيننا جميعا... و كان الجدار الذي استندنا عليه للنهوض من جديد ...

لم أكن قد قابلته منذ شهور... كان يحرص على الاتصال بي من حين لآخر... و يخبرني بتطورات ما حصل معه... و يلح علي للانتقال إلى المدينة الساحلية و العمل و العيش معه في رغبة كبيرة منه لم شمل العائلة المشتت...

و لكن... هل بإمكاني العيش في مكان تعيش فيه رغد... أو تحت ظل سقف ضم والدي ّ إليه ذات يوم ...؟ آه يا والداي... و آه لما حل بنا... بعد رحيلكما... أمسكت بيد شقيقي و قد اعتصرني الألم... و كلما اعتصرني أكثر ضغطت عليها أكثر... حتى انتبه وليد و أفاق من النوم...

نظر وليد إلي و ربما لمح بقايا اعتصار قلبي بادية على وجهي... ثم نظر من حولي ثم قال :

" أين رغد ؟ "

و ليته سأل عن أي شي آخر سواها... ليته سأل... عن جثتي والدي ّ و عن الجروح التي كانت تغطيهما كلية...  ليته سأل عن الهول الذي أصابني و أنا أدقق النظر في جثمانيهما و بملء إرادتي... لا أكاد أميّزهما... ما حييت ... لن أنسى تلك الصورة البشعة... أبدا... و ربما كانت رؤية الندب على جسد شقيقي و الدماء المتخثرة في أنفه هي ما أثار في نفسي هذه اللحظة تلك الذكرى الفظيعة المفجعة...

" أين رغد يا سامر ؟ "

عاد شقيقي يسأل و قد علاه القلق، أجبت مطمئنا :

أنت لي (مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن