🍁الحلقة 46 الجزء السادس🍁

670 11 2
                                    

ساورني بعض القلق.. فطلبت منها أن تصعد للطابق العلوي وتتفقدهما. وعادت بعد قليل يتبعها وليد. كان وجه وليد ممتقعا وعلى خده كدمةمبهمة اللون.. كان يهبط الدرجات ببطء ونظره مركز على موضع قدميه.. كنت أقف أسفل الدرج في انتظار ظهور أي من وليد وسامر.. ابتعدت الخادمة عائدة إلى المطبخ وبقيت أراقب وليد وهو يهبط الدرج درحة درجة.. إلى أن توقف أخيرا بجانبي. بادرت بإلقاء التحية: "صباح الخير". فرد وهو لا يرفع بصره إلي: "صباح الخير". ثم سار وتخطاني وتوجه نحو المطبخ. لحقت به فوجدته يفتح الثلاجة ويستخرج علبة حليب بارد ويهم بفتحها. قلت: "ألا ترغب في بعض الشاي؟؟" فقال وهو يفتح الععلبة ويسكب شيئا منها في أحد الكؤوس: "كلا شكرا... الجو حار". وجلس على أحد المقاعد الموزعة حول الطاولة وأخذ يشرب الحليب البارد دفعة واحدة حتى أتى على آخره... يحب ابن عمي هذا الحليب.. ألا تلاحظون ذلك؟؟ حضرت كوب الشاي الخاص بي ووضعته على الطاولة وجلست على المقعد المقابل لمقعده.. بدأت بطرف الحديث: "هل أعد لك فطورا؟" أجاب: "لا, شكرا". قلت: "ولو وجبة بسيطة؟" فأكد: "شكرا يا رغد. لا أرغب بشيء الآن". احتسيت من قدح الشاي ثم قلت: "هل سامر في الأعلى؟" فنظر إلي باهتمام أخيرا.. ثم أجاب: "لا". فتعجبت وسألت: "أليس في المنزل؟؟" فأجاب: "كلا.." فازداد قلقي.. أيمكن أنه لم يبت هنا البارحة؟؟ قلت: "أين هو؟" فرد: "خرج باكرا.. لم يحدد وجهته". وظهر الانزعاج على وجه وليد.. لم أقو على إطالة المقدمات.. أنا متلهفة لأعرف ما حصل البارحة.. قلت مباشرة: "لماذا تشاجرتما؟" فرماني بنظرة ثاقبة.. ثم زاح بصره عني وتجاهل سؤالي. قلت: "أرجوك أخبرني.. أنا أعيش معكما في هذا المنزل وأشارككما في كل شيء". فأرجع بصره إلي.. ثم قال: "نعم.. في كل شيء". ولا أعرف أن قالها جادا أم ساخرا.. لأن تعبيرات وجهه غامضة جدا.. استأت من تهربه وقلت: "أرجوك وليد.. أخبرني وأرحني.. أنا لم أنم جيدا البارحة من شدة القلق ولم أجرؤ على مغادرة غرفتي حتى لا تغضب مني.. أرجوك قل لي ماذا هناك؟" ظل وليد ينظر إلي بتركيز.. ثم سأل: "أحقا لا تعرفين؟؟ ألم تخبرك صديقتك بشيء؟؟" أصابتني الدهشة.. صديقتي؟؟ تعني مرح؟؟ ما دخل مرح بالأمر؟؟ سألته فيما الفضول يكاد يلتهمني: "تخبرني بماذا؟؟ مرح؟؟" فألقى وليد نظرة سريعة على الخادمة ثم عاد ينظر إلي. خاطبت الخادمة وطلبت منها الذهاب لتنظيف غرفتي... ولما انصرفت سألت وليد: "ما علاقة صديقتي بما حصل البارحة.. وليد أرجوك أوضح لي فأنا لا أفهم شيئا". وليد مد يده وأمسك بيدي وضغط عليها بشدة وتحولت تعبيرات وجهه إلى الجد المفاجىء والممزوج بالتهديد وقال: "اسمعي يا رغد.. إياك أن تفتحي الموضوع أمام سامر.. لا تسأليه عن أي شيء ولا تأتي بذكر شيء عن ليلة أمس لا تصريحا ولا تلميحا أمامه.. هل تفهمين؟؟" القلق بلغ ذروته عندي.. يبدو أن الموضوع أخطر مما كنت أعتقد.. قلت: "لا.. لم أفهم شيئا". فأغضب ردي وليد.. فشد الضغط على يدي واحتد صوته أكثر وهو يكرر: "بل تفهمين.. اسمعيني جيدا.. لا أريدك ولا بحال من الأحوال أن تشيري لليلة البارحة أمامه. تصرفي بشكل عادي وكأن البارحة لم تكن أساسا". سألت: "لماذا". فهتف بعصبية: "نفذي ما أقوله لك فقط.. فأنا سأسافر اليوم ولن أكون موجودا للتدخل وتحويل المواقف. أريد أن يمر اليومان بسلام إلى أن أعود وأجد مخرجا للمأزق الجديد الذي أقحمتنا فيه". هتفت: "أنا..!!" ووجهي يملؤه التعجب وعدم الفهم.. فأبعد وليد يده عني.. ثم نهض واقفا وأراد مغادرة المطبخ. قلت محتجة: "وليد انتظر أنت لم توضح لي شيئا". فأشار بيده لي أن أصمت.. ثم قال: "لاحقا يا رغد.. ليس وقته الآن.. افعلي فقط ما طلبته منك". وانصرف. لم أطق صبرا مع كل هذا الغموض.. توجهت إلى غرفتي وطلبت من الخادمة المغادرة, وتناولت هاتفي المحمول واتصلت بصديقتي مرح.. لكم أن تتصوروا الدهشة التي اجتاحتني عندما علمت من مرح..أن.. أن... إه.. أن والدها وعمها.. تقدما بطلب يدي للزواج من... من شقيقها الرسام.. الأستاذ عارف.. الذي حضرت معه معرضه الفني أمس الأول.. ورآني صدفة هناك!!!! "لا يارغد.. كنا سنتقدم لخطبتك حتى قبل أن يراك فأمي وأختاي أعجبن بك عندما زرناكم بعد خروجك من المستشفى.. وأيدتا ترشيحي في الحال". وعادت بي الذكرى بسرعة إلى تلك الليلة.. حيث دعونا آل منذر للعشاء عندنا وحضرت أم مرح وأختاها.. أذكر أنني ليلتها كنت منزعجة لأنهن سلطن اهتمامن على الشقراء التي سرقت الأضواء مني.. ولم أكن لألحظ أن عيونا خفية كانت تراقبني أنا....! انتبهت من لحظة الذكرى على صوت مرح تقول: "وكنا نريد زيارتكم لو لا أنكم سافرتم... أما عارف فهو يثق في اختيارنا.. وعندما قلت أن ستحضرين المعرض خطرت ببالي فكرة أن أريكما بعضكما البعض وعارف ألح بأن يزوركم البارحة.. وأخي شخص مهذب وراغب في الزواج بكل جدية". وكانت نبرتها تمزج بين الضيق والعتب... فقلت مهدئة إياها: "ليس قصدي عكس ذلك لا سمح الله.. إنما.. آه.. لماذا لم تخبريني عن هذا سابقا؟" فأجابت بذات النبرة.. وهي نبرة لم أعتد سماعها من مرح التي لطالما غلب المزح والمرح على أسلوبها: "لمحت لك تلميحا خفيفا... لم أستطع التحدث معك مباشرة.. أنت خجولة جدا وخشيت أن أحرجك أو أن تغيري رأيك في حضور المعرض.. ولم تسنح الفرصة قبل ذلك بسبب سفرك". قلت: "لكن يا مرح". فقاطعتني مرح قائلة: "لكن ماذا يا رغد؟؟ أنتم تشعروننا بأننا ارتكبنا خطيئة بعرض الزواج هذا!" فاجأني رد مرح فقلت: "لم تقولين هذا؟" فقالت: "أنت تحققين معي الآن وكأنني متهمة.. وأبوك وأخوه لسعا أخي بنظراتهما البارحة ولم يتفوها بكلمة واحدة ولو من باب المجاملة تشير إلى أنهما يرحبان بالعرض أو يقدران أصحابه.. لقد أخبرني عارف بأنهم غادروا ولديهم الانطباع بأن العرض مرفوض قبل دراسته.. وكأن عائلتكم لا تتشرف بالرتباط بعائلتنا". قلت بسرعة نافية: "ما الذي تقولينه يا مرح الأمر ليس كلك إطلاقا". فسألت: "إذن ماذا؟؟" فقلت: "إنه أكبر بكثير مما تظنين..." بعد حديثي معها جلست أفكر طويلا... لم أكن أتوقع أن يكون الأمر هكذا... ما الذي سأفعله وكيف سأتصرف؟؟ بعد حوالي الأربعين دقيقة خرجت من غرفتي قاصدة الذهاب إلى غرفة المعيشة ورأيت وليد هناك يجلس على طرف أحد المقاعد ويبدو عليه الاضطراب ولما رآني سأل: "ألم يعد سامر؟" فأجبت: "لا أعرف. لا أظن فأنا لم أسمع صوت الباب". وهنا سمعت صوت الباب الخارجي, فوقف وليد ثم قال بصوت هامس: "لا تنسي ما قلته لك". فأومأت برأسي.. وخطوت إلى الداخل. وافانا سامر مباشرة ولم يلق التحية بل ألقى علينا نظرة سريعة ثم هم بالانصراف. ناداه وليد وقال: "تأخرت يا سامر.. ألا تعلم أن لدي رحلة هذه الظهيرة؟؟ بالكاد يتسع الوقت للوصول للمطار". فالتفت سامر إليه ثم ألقى نظرة على ساعة يده ثم قال: "لا يزال الوقت كافيا". ثم استدار إلى الباب ثم توقف واستدار نحو وليد وقال: "على فكرة وليد.. لقد حجزت مقعدا على نفس الطائرة". واستدار وولى منصرفا نحو الدرج! لم يعط وليد الذهول فرصة لتملكه, بل أسرع عقب أخيه وهو يناديه إلى أن أدركه عند أسفل السلم.. ولحقت بهما في اندهاش شديد.. قال وليد: "ماا تقصد؟؟" فأجاب سامر وهو يرفع قدمه إلى الدرجة الأولى: "أقصد أنني سأسافر أيضا إلى الشمال الآن". وتابع خطواته فهتف وليد: "سامر قف هنا وكلمني..." فتوقف سامر بعد بضع درجات وأرسل نظراته إلى وليد... وتسللت إحداها إلي فقرصتني... قال وليد: "ماذا تعني بتصرفك هذا؟؟" أجاب سامر وصوته يعلو ويحتد: "لا أعني شيئا. لدي أشياء ضرورية لأحضرها وأمور مهمة لأنجزها في المدينة التجارية.. تعرف أن سفري كان مفاجئا وعاجلا جدا". فقال وليد بصبر نافذ: "ولكنني سأسافر الآن.. فهل تريد أن نسافر كلانا ونترك المنزل ومن فيه هكذا؟؟" وأصابتني الفكرة بالرعب... فقال سامر: "عد ليلا فهناك رحلة مناسبة هذا المساء". ثم تابع صعود الدرجات حتى اختفى عن أنظارنا.. وقف وليد برهة كمن يحاول استيعاب ما سمع, ثم صعد الدرجات ليلحق بسامر.. استوقفته وقلت مرعوبة من الفكرة: "أنا لا أستطيع البقاء وحدي". فالتفت إلي وقال: "وهل ترينني بهذا الجنون لأفعل هذا؟؟" وواصل صعوده حتى اختفى هو الآخر عن ناظري...

أنت لي (مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن