استقبلتني ابنة خالة رغد الصغرى وقادتني إلى مدخل المجلس الجانبي.. لم يكن حسام ولا أبوه موجودين ساعة وصولي.. وعند المدخل وجدت أم حسام تقف في انتظارنا... كنت أعرف أنها غير راضية عن سفر رغد وخشيت أن تعود لفتح موضوع اعتراضها في هذه الساعة... والصداع مشتد على رأسي بعد شجاري مع أروى, ولا ينقصني الآن أي جدال... وبعد تبادل التحية دخلنا إلى الداخل واتخذنا مجالسنا وأخبرتني أن أبا حسام في الطريق إلينا.. ثم سألتها: "هل رغد مستعدة؟" أجابت وفي نبرتها شيء من عدم الرضا: "نعم.جمعت أشياءها بمساعدة ابنتيّ.. إنها بالكاد تتحرك.. يشق السفر عليها مع هذه الإصابة". أرجوك! لا تفتحي الموضوع ثانية الآن! قلت لئلا أدع لها الفرصة للبدء من جديد: "إذن هلا أخطرتها بوصولي من فضلك؟ لا يزال أمامنا مشوار طويل". الفتاة الصغيرة خرجت من الغرفة فورا... ذاهبة لاستدعاء رغد.. أما أم حسام فسألت: "وأين زوجتك ووالدتها؟" استغربت السؤال وأجبت: "في المزرعة". قالت مستغربة: "حسبت أنك قادم من هناك". قلت: "نعم, كنت هناك". سألت باستغراب أشد: "ولمَ لم تحضرا معك مباشرة؟" قلت مستغربا: "ولمَ؟؟" بدا القلق على وجه أم حسام مع بعض الحيرة ثم قالت: "ألن تصطحبوهما معكما؟؟" قلت: "كلا.. إنهما لن تسافرا معنا الآن". اتسعت حدقتا أم حسام واكفهرت ملامحها وقالت: "لن تسافرا معكما؟؟ ماذا تقصد يا وليد؟؟" قلت موضحا: "لن تسافرا حاليا.. لكن.. ستلحقان بنا بعد فترة.. تودان البقاء في المزرعة أياما أخرى". تعبيرات وجه أم حسام ازدادت توترا واضطرابا وقالت: "و... رغد؟؟" فهمت منها إنها قلقة بشأن من سيعتني بالصغيرة وهي مصابة هكذا.. فقلت: "لدينا خادمة لتساعدها". أم حسام قالت فجأة وبانفعال مهول: "أتريد القول.. إنك.. ستسافر مع الفتاة.. بمفردكما؟" ألجم السؤال لساني.. وفي ذات اللحظة رأيت أم حسام تهب واقفة وقد تناثر الشرر من حولها وتقول بصوت حاد: "هل جننت يا وليد؟؟ تريد أن تأخذ الفتاة بمفردها إلى الجنوب؟" وقفت تباعا وقد أصابني الذهول من أمر الخالة وأردت أن أتحدث غير أن كلامها اخترق المسافة الفاصلة بيننا بسرعة البرق وزلزلة الرعد... "كنت أظن أن خطيبتك ووالدتها سترافقانكما كما في السابق..." تدخلت بسرعة: "ستلحقان بنا عما قريب.. وكذلك سامر.. لا يمكنني ترك العمل أكثر من هذا". ردت أم حسام: "وتريد مني أن أترك ابنتي تسافر وتعيش هناك لوحدها معك؟؟ هل فقدت صوابك يا وليد؟؟" ارتبكت واضطربت كل ذرات كياني.. تحول لوني إلى الأحمر وتفجرت قطرات العرق على جسمي كله.. حاولت النطق: "خالتي". غير أنها قاطعتني بحدة وقالت صارخة في وجهي: "كفى.. هذا ما كان ينقصني... لم يبقى إلا أن نترك ابنتنا تقيم بمفردها مع رجل غريب.. من تظن نفسك يا وليد؟؟ كيف تجرؤ؟" تسمرت على وضعي مذهولا.. مكتوم النفس طائر الفؤاد محملق العينين... لا أكاد أفهم ما أسمع.. "خــــالـــ... ما.. ماذا... رجل غريب؟؟ أنا؟" صاحت أم حسام بوجهي: "نعم رجل غريب.. أتظن أن الوصاية على الفتاة تجعلك أباها حقا؟؟ أفق يا هذا... أم لأنها فتاة يتيمة وحيدة تظن أنه بإمكانك التصرف بشأنها كما يحلو لك وأن أحدا لن يوقفك عند حدودك؟؟ اصح يا وليد... يا محترم". تلقيت الكلام كصفعة قوية نارية على وجهي... النار كانت تشتعل في عيني أم حسام وفي صدرها النافث بالصراخ.. حملقت بها مذهولا.. غير مصدق لما أسمع.. ما الذي تقوله هذه المرأة؟؟ كان صدري لا يزال يحبس النفس الأخير الذي التقطته وسط النار.. أطلقت نفسي باندفاع وقوة وهتفت: "ما الذي تقولينه يا خالة؟" الغضب كان يتطاير من عينيها ومن عيني أنا تفجر بركان ثائر مدمر... "ما الذي تظنينه بي؟؟ إنني أنا وليد.. ابن شاكر وندى... ولست إنتاج وتربية شوارع.. أنا تقولين لي هذا الكلام؟؟ لقد تربيت بين أبناءك وتحت ناظريك.. وكأنك لا تعرفين من أكون؟؟ أم لأنني دخلت السجن بضع سنين تظنين أنني خرجت منه فاسقا قذرا لا يعرف حدوده ويتجرأ على حرمات الغير...؟؟ إنها ابنة عمي.. دمي وحرمتي أنا.. والأمانة العظمى التي في عنقي.. كيف تجرئين على الظن بي هكذا؟؟ لن أغفر لك هذه الإهانة.. أبدا". وسرت مبتعدا عنها متجها إلى الباب... وفي طريقي اصطدمت بطارلة فما كان مني إلا أن رفعتها وقلبتها رأسا على عقب ورميت بها بقوة بعيدا... فتحت الباب بقوة وصفعته بالجدار حتى كدت أكسرهما سوية.. ثم خرجت بسرعة مغادر المنزل... صادفت حسام عند البوابة... فدفعته بعيدا عن طريقي.. ثم ركبت سيارتي وانطلقت بأقصى سرعة.. نحو المطار..
أنت تقرأ
أنت لي (مكتملة)
القصة القصيرةرواية رائعة رومنسية حزينة تحكي عن شابة و إبن عمها فرقتهما الأقدار بسبب أحداث كثيرة لكنهما يجتمعان من جديد و يكملان قصة حبهما