فأطبق على كتفي كالصقر المنقض على فريسته... بمنتهى الخشونة وراح يصرخ: "أكلمك يا رغد... أصغي إلي جيدا.. واحفظي كلامي بالحرف الواحد... أنا المسئول عنك هنا.. وأنا من يقرر كل شيء يتعلق بك... صغيرا كان أم كبيرا... شئت أم أبيت... تركك أبي تحت عهدتي أنا.. وليس تحت عهدة خالتك وعائلتها.. وإن أبقيتك هناك كل هذا الوقت فهذا لأنني أنا أريد إبقائك.. وليس لتتصرفي كما يحلو لك.. أنت وابن خالتك المراهق الأبله... ومتى ما شئت أنا...سآتي وآخذك.. وخالتك.. وزوجها.. وأبناؤها.. كلهم لا يملكون الحق في تسير أمورك.. وحسام بالذات.. وبالذات حسام.. واسمعيني جيدا.. هذا الفتى بالذات.. سيكون آخر آخر آخر شخص على وجه الأرض.. سأسمح له بالاقتراب منك.. ولن يكون ذلك إلا بعد موتي.. أفهمت ذلك يا رغد؟؟ أفهمت ذلك؟؟" كل هذا الصواريخ في وجهي.. والضغط العنيف على كتفي.. والأعاصير النارية المنطلقة من عينيك وتريد مني ألا أفهم؟ صحت بخوف وأنا أحاول استعطافه والنجاة من بطش يديه: "نعم... فهمت.." فضغط على كتفي بخشونة أشد وقال: "فهمت جيدا؟؟ أنا لن أعيد كلامي في المرة المقبلة إن تكرر الأمر.. ولن أكتفي بلكم وجهه.. بل سأهشم عظامه كلها.. وأطحن رأسه... أوعيت هذا؟؟" قلت: "فهممت.. فهمت.. أرجوك... يكفي". وواصل عصر كتفي بقبضتيه وهو يجبرني على النظر في عينيه ويخترقني بنظرته الثاقبة النهددة ويقول: "لا تضطريني لتصرف لا تحمد عقباه يا رغد... أحذرك... أحذرك... ما أنا فيه يكفيني... التزمي بكلامي وإلا.." أطلقت إجابتي مع زفرة ألم: "حاضر... فهمت... سأفعل ما تأمرني به... هذا موجع... أرجوك أتركني..." وانخرطت في البكاء من الألم... فأطلق سراح كتفي وابتعد... جعلت أمسد كتفي الأيمن بيدي اليسرى لأخفف الألم... ولم أرفع رأسي مجددا... حل سكون مخيف بضع دقائق.. ثم سمعت صوت باب الشقة ينفتح فرفعت رأسي ونظرت إلى وليد فشاهدته يغادر... وقفت بسرعة وسألت: "إلى أين تذهب؟؟" لكنه أغلق الباب ولم يجبني... أسرعت أسير بعكازي إلى الباب وأردت فتحه فإذا بي أسمع صوت قفله يدار.. ضربت الباب وهتفت بفزع: "وليد إلى أين تذهب؟ افتح الباب". فسمعته يقول من خلف الباب: "سأرسل إليك سامر". فقلت: "لا تتركني وحدي.. أرجوك افتح". ولكنه لم يفتح ولم أعد أسمع صوته... بقيت واقفة عند الباب في انتظار عودة وليد أو سامر.. ومرت بضع دقائق ولم يظهر أي منهما.. انتابني الذعر.. وعدت إلى المقعد واستخرجت هاتفي من حقيبتي واتصلت بوليد فلم يجبني.. واتصلت بسامر فوجدت الخط مشغولا.. انتظرت دقيقة ثم أعدت الاتصال بسامر فرد علي وأخبرني بأنه في صالون الحلاقة أسفل المبنى وسيصعد بعد عشر دقائق... "لكنني وحدي في الشقة... ذهب وليد وتركني أرجوك تعال الآن". قال سامر: "لم يذهب. أخبرته أن يبقى وينتظرني. سيأتيك الآن". وأنهيت المكالمة ونظرت نحو الباب في انتظار عودة وليد... ولكنه لم يعد. أخذ القلق والخوف يتفاقمان في صدري... وإن هي إلا دقائق حتى عاودت الاتصال بسامر وأخبرته بأن وليد لم يعد ورجوته أن يوافيني في الحال. فقال إنه قادم... وأقبلت نحو الباب في انتظاره... وعندما اقتربت نمه خيل إلي أنني سمعت صوتا من خلفه ففزعت... أصغيت بسكون... فتكرر الصوت وأجفل قلبي... "سامر؟؟" ناديت بحنجرة مخنوقة... ولم أسمع ردا... لكنني أحسست بحركة ما... وكأن أحدهم يقف خلف الباب مباشرة أو يستند إليه... سألت: "وليد؟" فسمعت صوته يرد: "نعم هنا". لقد كان وليد قلبي يقف خلف الباب... مستندا إليه... عندما سمعت صوته حلت الطمأنينة في قلبي... فألقيت بثقل جسمي على الباب... وخيل إلي... أنني أحسست بالحرارة تتخلله منبعثة من جسم وليد... يفصل بيني وبينه باب خشبي... وعشرات المشاكل ومئات الشحنات... والمشاعر المتضاربة والمواقف الملاطمة... والكلمات القاسية... والمعاملة الجافة... التي أثخن قلبي وجسدي بخدوشها قبل قليل... تلمست كتفي... فألفيت الألم قد انقشع... وتلمست الباب فوجدته دافئا وحنونا... وألصقت أذني به... فتوهمت أنني أسمع نبضات قلب وليد... تناديني... أفقت من أوهامي على صوت خشن زاجر... أصدره وليد... "أقول لك انتظرني ها هنا فتذهب إلى الحلاق؟؟" ثم أتى رد بصوت سامر: "لم أتوقع أن تنهيا الحوار بهذه السرعة كما وأنني لم أشأ الوقوف هكذا كالبواب". فقال وليد متضايقا: "قلت لك إنني لن أطيل الكلام وكما ترى فالوقت ليل ولا يزال أمامك مشوار إعادتها... تعرف أن التجول محظور آخر الليل هناك.." ثم سمعت صوت المفتاح يدخل في ثقبه فابتعدت بسرعة... كان سامر هو من فتح الباب فدخل ولم أر أحدا من خلفه... استدار للوراء ثم التفت إلي وأغلق الباب من بعده وسألني: "هل أنت بخير؟؟" أجبته: "نعم". فاقترب وهو يحملق في عيني ويرى أثر الدموع ثم سأل: "ماذا قال لك؟؟" فطأطأت برأسي ولم أجبه. فألح علي بالسؤال غير أنني اعتذرت عن الإجابة.... قال: "إذن الموضوع سري بينكما؟" ألقيت نظرت سريعة عليه ثم نظرت إلى الأرض لأبعد عيني عن عينيه... خشية أن يكتشف شيئا... سأل برجاء: "ألن تخبريني؟" فلم أرد... كيف أخبرك وبم؟؟! سيضرب هذا على وترك الحساس المؤلم... أأقول إن حسام عرض على وليد الزواج مني...؟؟ احترم سامر موقفي وقال متراجعا: "كما تشائين. إنما أردت المؤلزرة. فإذا ما أساء إليك أخي بأي شكل فأخبريني حتى أوقفه عند حده". فشددت على قبضتي ولم أتفوه بشيء... بعد ذلك... أعادني سامر إلى منزل خالتي... ولأن المسافة بين المدينتين التجارية والصناعية طويلة نسبيا, فقد وصلنا في ساعة متأخرة من الليل... أما وليد فكان قد اختفى فور ظهور سامر عند باب الشقة... ولا أعرف إن كان قد عاد إلى مزرعة الشقراء أم أنه بات في شقة أخيه تلك الليلة... وجدت خالتي ونهلة في انتظاري وعيونهما ملأى بالتساؤلات... أخبرتهما بأنه لا شيء يستحق القلق وذهبت إلى غرفتي فتبعتنب نهلة... والتي سهرت في انتظار عودتي على نار هادئة لتعرف ما حصل... "لا شيء". تعجبت من قولي وسألت: "لا شيء؟؟ كل هذا الوقت وتقولين لا شيء؟؟" أجبت: "تعرفين... الوقت ضاع في قطع المسافة من هنا إلى شقة سامر... ذهابا وإيابا". سألتني بصبر نافذ: "المهم ماذا حدث وفيم تكلمتما؟ وهل تصالح معك..؟؟" أجبت بإعياء: "أسكتي يا نهلة أنا متعبة ولا طاقة لي بالحديث". وألقيت بثقل جسمي على السرير... ومددت أطرافي... لكن نهلة لم تعتقني: "أرجوك يا رغد أخبريني بما حصل الفضول يخنقني؟؟" قلت أخيرا وأنا أنظر إلى السقف وأتنفس الصعداء باسترخاء بعد كل ذلك التوتر...: "تشاجر معي.. فجر صواريخ فتاكة في وجهي.. وهددني بأن.." قالت نهلة بلهفة: "بأن ماذا...؟ أكملي!؟" فوجهت بصري نحوها وقلت: "بأن يهشم عظام حسام إن عاود طرح موضوع الزواج ثانية..." حملقت بي نهلة بدهشة... ثم قالت مستنتجة: "هكذا إذن.." ثم أضافت: "تهديد صريح آخر..." حينها قلت بجدية وصراحة: "إنه ينوي شرا.. أخبري حسام بأن يبتعد عني وأن يلغي الفكرة نهائيا من رأسه لينجو بنفسه..." غضبت نهلة من كلامي الصريح الجارح.. وقالت وهي تستدير مغادرة: "أخبريه أنت بذلك.. أنا لن أجرح أخي بهذه القسوة.. أنت عديمة الإحساس".
أنت تقرأ
أنت لي (مكتملة)
Short Storyرواية رائعة رومنسية حزينة تحكي عن شابة و إبن عمها فرقتهما الأقدار بسبب أحداث كثيرة لكنهما يجتمعان من جديد و يكملان قصة حبهما