ارتسم ملامح الجميع للصدمة بسبب رفض "عبد الرحمن" أول ما عبر عن صدمتهم هو شهقة صدمة خرجت من " وفاء" وهي تقول بدهشة : ليه يا عبد مش موافق ؟
انتفض بغضب وهو يقول : عيزاني أجوز ابني لوحدة عاشت برة لوحدها الله يعلم كانت تعمل إيه !
نظرت وفاء له بصدمة : ايه الي بتقوله دا يا عبد !!
صرخ بغضب وهو يقول : دا الي عندي ،جواز من البنت دي لأ ، أشوف زين باشا هيعمل إيه بدون موافقتي
نظر الجميع نحو ذلك الصامت صاحب الشأن وجدوا علامات الهدوء ترتسم على وجه ، تحدث بهدوء : مبدئياً حضرتك متقدرش تحكم عليها كده إلا لو كنت شوفت منها حاجة مش مزبوطة ، دا اسمه رمي مُحْصنات ،أظن لو سارة الي كانت مسافرة برة وحد تكلم عليها بالشكل ده مكناش هنسكت
زفر "أدهم" بغضب من الفكرة فقط ... من يَجرأ على التحدث عن مشاكسته بسوء ، تنهد "زين" بعمق ثم تابع بهدوء : مقدرش أكسر كلام حضرتك يا بابا بس بما أنه مش هتجوز كارما ، سيرة الجواز مش عايز أسمعها أبداً ، أظن كده تمام
نهض يغادر المكان بهدوء عكس ما بداخله فآخر ما توقع أن يكون تفكير والده بهذا الشكل ، دلف لغرفته يلقي بمفاتيحه على المنضدة باهمال ، اتجه للحمام الملحق بالجناح الخاص به يبدل ملابسه ، يريد أن يخلد لنوم عله يلاقاها في منامه ، بالتأكيد لن يصمت عن رفض والده ولكن ليمهله بعض الوقت ويضع تلك الجميلة تحت أعينه ليحميها من اي سوء يسمى ب " عريس " ...
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
_ : ايه الي قلته تحت دا يا عبد ،أنت من امتى بتفكر ببنات الناس بشكل دا
دلفت خلفه للغرفة وهي تتحدث بعصبية ، وتحديداً بعدما لاحظت برود زوجها أجاب : أقلك إيه أنا مش هجوز ابني لوحدة كانت مسافرة أكتر من خمس سنين برة البلد بدون أهلها عيزاني أعمل إيه أقله مبروك
سألته بشك : انت تعرف حاجة عن البت يا عبد
نفر برأسه وهو يقول بصدق : لا أنا بعرف أبوها كويس جداً بس دا لا يعني أنه هي كانت مسافرة لوحدها والله يعلم كانت تعمل إيه
جلست على حافة الفراش وهي تخاطبه بتعقل : دا مش سبب عشان ترفض انت ما شفتش حاجة مش مزبوطة من البت عشان تتكلم عليها بالشكل دا ، انت عندك بنات يا عبد وتخاف ع سمعتهم ، انا مش شايفة أنه رفضك مستاهل السبب دا اكيد انت أدرى بمصلحته لكن مش ع حساب زعله
تجمعت الدموع بعيناها وهي تقول بأسى : أنا ما صدقت انه تخطى الفترة الصعبة الي عاشها ، مش قادرة اشوفه بيحاول يخرج منها وأقف أتفرج بدون ما أساعده
مسحت دموعها وهي تقول لذلك الجالس بتفكير مرهق : أتمنى تفكر كويس وتعرف أنه مصلحة ابنك أهم من أي حاجة تاني ، حط أدام عينيك الفترة الصعبة الي عاشها هتشوف قد إيه بيحاول يتخطى ومرة بنجح مرة لأ ، يمكن تكون هي سعادته
غادرت سريعاً تحاول كتم نوبات البكاء بداخلها على حال صغيرها وكأن عاطفة الأم لم تَمُت بمرور السنين ، بينما جلس يقلب حديثها بذهنه عله يتوصل لنقطة آمان في ذلك الهجوم المتوالي من الذكريات والأحداث ...
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
نهضت بعصبية شديدة وهي تتحرك ذهاباً وإياباً في الغرفة بوتيرة سريعة غاضبة وهي تتمتم بغضب : يعني إيه يتجوز ، وأنا سيبت اسطنبول عشان أحضر فرحه مثلاً ، ع جثتي الجوازة دي تم
ابتسمت بشماتة وهي تقول : بس عمي دا خطير ، أحسن حاجة أنه ما وافقش على الجوازة
صمت بتفكير ثم تابعت : هو مش موافق ع العروسة يعني يمكن يجوزه حد تاني ، لازم أتصرف بسرعة
جلست بتفكير وعقلها يعمل في جميع الاتجاهات تحاول التوصل لما تريد بأقل خسائر ، ابتسمت بخبث وهي تجزم على بدأ اللعب بالنار ...
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
جلست على الفراش في جناح زوجها تتداعب الصغيرة بين يديها بلطف لتخلد للنوم ، ضمتها لأحضانها بهدوء وهي تستنشق عبقها الطفولي اللطيف ، ابتلعت غصة بحلقها وبينما دموعها بدأت تتساقط كشلال تكاد تخفي ملامح وجهها ، كتمت شهقاتها بأعجوبة لتحافظ على نوم هادئ للصغيرة ، زادت من احتضانها وهي تشعر بأمومتها تكوي قلبها بلهيب حارق ، مسحت دموعها سريعاً تحاول إخفاء نوبة بكائها عندما استمعت للباب الجناح يفتح ، دلف زوجها لداخل بتعب يتضح على وجهه ، وضعت الصغيرة من بين يديها بهدوء شديد على الفراش وانتفضت نحوه وهي تقول بلهفة : مالك يا ياسين ؟
ابتسم وهو يمرر إبهامه على وجنتيها وهو يقول : كنت بتبكي ليه ؟
نظر له بدهشة ليجذبها لأحضانه يُجلسها لجواره على الأريكة وهو يمسد على شعرها بحنان بالغ ما أن استشعرت حنانه حتى لم تستطع الصمود أمام نوبة البكاء التي تغص حلقها بقوة ، بدأت تبكي على صدره وهو يتقبل ذلك بصدر رحب ، ألقى نظرة على الفراش وجد الصغيرة تتوسطه ، ابتسم بحنين وهو يمسد على شعرها بحنان ويهمس بأذنها : ربنا كريم يا فرحتي ، مافيش حاجة كبيرة ع ربنا
بدأ يهمس بأذنها بكلمات مهدئة مُطَمْئِنة حتى هدأت وتيرة بكائها رفعت وجهها إليه وهي تقول : أنا آسفة بس دايماً بتيجي الحالة بوقتك
ابتسم على كلماتها وهو يقبل أعلى رأسها بحب ، تحدثت بحزن : انا زعلانة أوي ع زين ما يستهلش كل دا ، ويوم ما يجي يتجوز باباك يرفض ، هو باباك رافض ليه ؟
تنهد بضيق وهو يقول : مش عارفة ، حاسس انه في حاجة كبيرة غير قصة سفرها وكده
تابع بحزن : صعبان عليا زين أوي ، من يوم الحادث وهو على نفس الحال ، مش قادر يتغلب على ماضيه ، تفكيره السلبي بأنه هو السبب مسيطر عليه بشكل قوي مش قادر يفهم انه دا قضاء وقدر
نظرت له بأعين حزينة يبدو أن الجميع يعانون ليس سهل ما مر بهم ولا به ، سألت بشرود : لو كنت مكانه كنت هتعمل إيه ؟
أجاب بمرح مصطنع : عمري ما أكون مكانه أنا مش بحب الطب أصلاً انا كنت بنجح بالأحياء بالعافية
ابتسمت على كلماته بينما هو تابع بجدية : مش عارف أصل الكلام اسهل من الفعل ، قد ما حسينا بيه مش زي شعوره وهو بالموقف ، الموقف أثر عليه بشكل سلبي اوي لدرجة أنه ترك المهنة إلي ضاع نص عمره فيها ، كان بحب شغله بشكل مش طبيعي ، بس القدر لعب لعبته
تنهد بأسى وهو يقول : يلا ننام النهاردة كان يوم متعب أوي وأخره كان نيلة منيلة بستين نيلة
استطاع القدر أن يلعب لعبته ويغير ذلك الطرق الذي رسمه بيده ، ربما كما يقال أن الدعاء يغير القدر ويبدو أن الدعاء هنا مقصود ...
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
رمى "زين " بثقله فوق فراشه ، ثم أغلق عيناه بتفكير وإرهاق وكأن همومه اليوم فاقت طاقته وقدرته ع التحمل والاستكمال ما بدء به منذ البداية بكامل إرادته ، ولا شك أن ذلك القرار المتهور والذي قد اتخذه في لحظة جنون أو عنفوان غريب ، لأول مرة منذ سنة يخوض قرار كهذا ، ثلاث شهور يخوض معركة مع ذاته، قد تكون أصعب معركة خاضها حتى الآن ، منذ أن رآها لأول مرة واختبر مشاعره ، تلك الصغيرة كان لها الفضل في انتشاله من عبث مظلم حالك احتل عقله ، ينذر بعاصفة قد تقتلع معها مشاعره التي حاول لجمها بأسواط ماضيه ... منذ تركه لمهنة الطب وحادثتها وهو يدفن ذاته في العمل لعدم التفكير بأي شئ ، إلا أن رآها على الحقيقة قلبت كيانه رأساً على عَقِب ... تنهد بعمق يحاول الوصول لحل لهذا الوضع ، بالتأكيد لن يسمح لأحد بأن يأخذها منه هي ملكية خاصة له ، و في نفس الوقت عليه إرضاء والده ، وعند ذكر والده استغرب تفكيره الرجعي لكنه يجزم أن شئ ما خلف رفضه ذاك ...
ارتفع رنين هاتفه وأخرجه من أعماق أفكاره ، تنهد بارتياح عندما وجد السبيل الذي استطاع انهاء محاكمة ماضيه وحاضره التي تبدأ يومياً عندما يختلي بنفسه بعيداً عن صخب عمله ... طالع اسم المتصل بملل وهو يجيب : ايوه يا أدهم
أجاب بلهفة وهو يقول : باقيلي ساعة بتصل عليك ومش بترد ، انت فين !
ابتسم بسخرية وهو يقول بمرح مصطنع : إيه انتحرت عشان ابويا رفض العريس الي متقدملي ، عايز إيه ؟
زفر " أدهم " بضيق وهو يقول : تصدق بالله أنا غلطان اني عايز أطمن عليه
تنهد وهو يتابع : متزعلش يا زين اكيد عمي ادرى بمصلحتك
ابتسم بتهكم وهو يقول : اقفل دلوقتي يا أدهم وهكلمك بكرة لأني هموت وأنام
تحدث " أدهم " بمكر : أوك ؛ أحلام سعيدة يا باشا مع حرم الباشا مستقبلاً
أغلق الهاتف دون الاستماع لباقي حديثه ، أخذ وضعية النوم وهو يتمنى أن يغرق سريعاً في النوم ويراها ، تنهد بتعب من هول الأحداث المحيطة ، دق النوم أبوابه أراح جفنيه براحة وهو يستسلم لنوم أشبه بغيبوبة غافل عن تلك التي تسللت لجناحه تراقب استغراقه بالنوم بهدوء دلفت للداخل بهدوء شديد ، التقطت شئ وخرجت سريعاً قبل انكشاف أمرها ، وقفت على باب الجناح بالخارج تتنفس بعمق وراحة وهي تشعر أن مهمتها قد نجحت إلا أن استمعت لصوت قوي يدوي من خلفها : مايا !
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
انتهى البارت ...
أنت تقرأ
الطيف المجهول
Mystery / Thrillerإلى أين ؟ إلى المُستقبَل البعيد ، إلى عينيك ، إلى مكتبة برفوف عتيقة تحملنا بين طيات سُطورها ، ومن ثُم لأحضان رواية تُمثلنا بتلك التفاصيل ، تروي أحداث كثيرة وتفاصيل مثيرة .. حيث تتضمن بأنه لا يمكن للوقت أن يمر بدونهما وتتوسطهما أفكار كثيرة دون أن يع...