البارت الخامس والعشرون 🦋

674 47 5
                                    


وقفت تؤدي مهنتها بجمود غريب ، تحاول تجاهل غصات البكاء بحلقها ، تنفست بعمق تمنع تلك الدمعات من الاسترسال على وجهها وينتهي الامر بها بالانهيار ، أنهت ما بيدها ثم أشارت للممرضة بتخيط الجرح ، ابتعدت قليلاً ونزعت رداء الأطباء وأخذت نفس عميق عليها التماسك لتكون عون لمن بالخارج ، أما في الخارج كانوا في حالة لا يرثى لها ، فُتح باب العمليات تخرج من خلفه " كارما " ، ركضت نحوها "سارة" وهي تقول بصوت باكي : زين يا كارما ..
سألتها بألم : كارما ولا الدكتورة كارما ؟
استغربت سارة حديثها لتقول : هتفرق ؟
اردفت بألم و خفوت : لو الدكتورة كارما ، ف زين بخير هنستنى ٤٨ ساعة وننقله غرفة عادية إن شاء الله مش هيحصل أي مضاعفات
امتلئت عيناها بالدموع وتابعت بصوت منخفض : لو كارما هقلك حبيبي كان بين الحياة والموت
انتبه الجميع لحديثها لترفع صوتها قليلاً وهي تتحدث بهدوء : الحمد لله اقدرنا نسيطر ع نزيف وهو مجرد نزيف خارجي ، هنستنى ٤٨ ساعة وننقله غرفة عادية ..و ايده الشمال فيها كسر خفيف بيحتاج ٣ اسابيع راحة
ألقت كلماتها وغادرت سريعاً تبحث عن مكان بعيد لتنهار به ، لا يُسمح لها ولن تسمح لنفسها أن تنهار أمامهم بعدما كانت مثال للصبر ، جلست على مكتبها بتعب وعيناها تحوي هالة من الدموع شوشت الرؤية أمامها ثوانٍ وبدأت الدموع تعرف مجراها لوجنتيها ، بدأت شهقات بكائها تملأ المكان ..
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
وقفت تغسل وجهها في محاولة منها لإنهاء نوبة البكاء واستعاد شخصيتها العملية تحدثت بصوت قوي محاولة إيصاله لعقلها المغيب : فوقي يا كارما .. فوقي واتذكري اني اتعلمتي إيه .. مينفعش تنهاري ابداً انتي سند و عون لأهل المريض مفروض متتأثريش .. فوقي يا كارما فوقي
صرخت بآخر كلماتها بيأس ثم غسلت وجهها بالماء وجففته ووقفت أمام المرآة تنظر لذاتها بقوة وجمود .. حتى ابتسمت بهدوء وهي تقول بهمس : زين كويس وهيفوق وهيرجعلي
ثم غادرت المرحاض في محاولة منها لطرد صورتها الباكية وصورته المصابة من ذهنها .. اتجهت نحو الغرفة التي يقنط بها بعد خروجه من غرفة العمليات .. دلفت للداخل وجدته ممدد على الفراش الطبي يحيط به العديد من المحاليل والأجهزة خاصة ان إصابته كانت بمنطقة الرأس و قد يشكل ذلك خطر كبير ومضاعفات خطيرة لذا عليهم اخذ الاحتياطات .. جلست على الكرسي المجاور للفراش وهي تمسد على شعره بحنان وتلقائياً سقطت دموعها وهي تقول بهمس : الحمد لله على سلامتك يا حبيبي .. يلا فوق وارجعلي انا محتاجاك معايا
تابعت بشرود : عارف يا زين بقالي سنتين بشتغل ومرت عليا عمليات صعبة جدا وحالات وفاة كتير وكنت قوية زي ما اتعلمت لكن اول ما شفتك واقع والدم مغرق وجهك ما قدرت تعبت .. قلبي وجعني أوي .. فوق يا زين يلا
قبلت رأسه برقة وحنو : وحشتني أوي أوي يا حبيبي
مررت يدها بخصلات شعره برقة بالغة و هي تبعد يدها عن مكان إصابته العميقة ... لم تشعر بكم الوقت الذي مر عليها وهي تجلس لجواره تطالع ملامح وجهه بشرود ويدها تمسد شعره بحنان بالغ .. فاقت من شرودها على طرق خفيف على الباب يتبعه دخول والديه و"سليم" و"ياسين" .. اعتدلت بتوتر ثم ابتسمت بطمأنية .. اقترب والده من فراشه وهو يقول بحزن : عامل إيه دلوقتي ..
ابتمست وهي تقول بهدوء : الحمد لله محصلش مضاعفات او حاجة نص ساعة وهنكشف مرة تانية ونشوف
تحدث "ياسين" بقلق : وإيده ؟
نظرت ليده المصابة ثم تحدثت : دا كسر طبيعي ٣ اسابيع وهيفك الجبس ان شاء الله
أومأ برأسه لفت انتباهها صمت وفاء وعيناها تلمع بالدموع اتجهت لها تحتضنها وهي تقول بابتسامة : مفيش داعي لخوفك دا زين بخير والله .. انت مش واثقة بكلامي ؟
نفت برأسها وهي تقول : لا طبعا واثقة بس انا خايفة عليه
كتمت شئ بداخلها ثم أجابت : مفيش داعي للخوف ان شاء الله خير .. هو قرب يفوق
قطع حديثهم طرق على باب الغرفة تبعه دخول ممرضة وهي تقول باحترام : دكتورة كارما عاوزينك بحالة طوارى برة
حركت رأسها بإيماءة بسيطة وهي تقول : تمام جاية دلوقتي
ثم تابعت : هروح اشوف شغلي وارجع .. هو شوية وهيفوق
ثم تابعت : بس يفوق خبروني واذا مشغولة خبروا دكتور عز .. اهم حاجة ميحركش راسه تمام
حركوا رأسهم بإيماءة بينما هي نظر نحو لثوانٍ ثم ابتسمت وخرجت من الغرفة تحت انظارهم التي تحاوطها ..
جلسوا جميعاً في انتظار استيقاظه بينما جلست "وفاء" لجوار فراشه تردد آيات القرآن .. بعد مرور ساعة استمعت لأنين خافت يصدر من جهته .. صرخت بلهفة : زين ..
انتفضوا نحو فراشه بسرعة مرة عدة دقائق استطاع " زين " فتح أعينه بصعوبة أثر المخدر نظر نحوهم باستغراب ثم كاد ان يعتدل لكنه توقف عندما ثبته "سليم" جيداً وهو يقول : الحمد لله على سلامتك يا زين .. متحركش رأسك انت خارج من العمليات دلوقتي
ثبت مكانه ينظر له باستغراب ثم تحدث بتعب : عملية إيه ؟
تحدث ياسين بلهفة : هأشوف كارما واجي دي كانت هتموت من خوفها عليك
سأل باستغراب : كارما مين ؟
توقفت خطوات " ياسين " وارتسمت ملامح الصدمة على وجوههم .. قطع ذلك دلوف الطبيب وهو يقول بعملية : الحمد لله على سلامتك يا بطل .. مين الدكتور المسؤل عن حالته ؟
اجاب سليم : دكتورة كارما .. بس هو فاق دلوقتي لسا
ابسم الطبيب واتجه للمنضدة جوار الفراش وتناول الملف الخاص به قرأه بتمعن ثم تحدث بعملية : حاسس وجع بدماغك ؟
أومأ " زين " برأسه وهو يأن بألم بينما تالع الطبيب فحصه بالكامل مع التاكد من مؤشراته الحيوية ثم سأله بحذر : إيه اخر حاجة فاكرها ؟
اجاب زين باستغراب : قدمت استقالتي من المستشفى بعد وفاة جدي
شهقة صدمة خرجت من " وفاء " وهي تنظر له بصدمة .. بينما نظر الطبيب له ثم غمز بعينه بخفة لهم التفت ل"زين" الذي ينظر لوالدته باستغراب وتعجب يتضح على ملامحه سأله الطبيب مرة أخرى : بتعرف الدكتورة كارما ؟
حرك برأسه بالنفي بينما تابع الطبيب أسئلته ثم تحدث بالنهاية : طيب عموماً الحمد لله على سلامتك يا بطل .. نسيب المريض يرتاح وياريت تشرفوني بالمكتب
شدد على كلماته بطريقة جعلتهم ينصاعون لامره اقتربت "وفاء" منه وقبلت رأسه بحنان وهي تقول : الحمد لله على سلامتك يا حبيبي ..
اجاب بتعب : الله يسلمك يا أمي
أشار لها سليم بألا تتحدث بشئ وغادر بينما هي احتضنته بحب وهي تمرر يدها بين خصلات شعره بحنو بينما أراح " زين " رأسه على كتفها وهو يشعر بألم شديد يعصف برأسه ...
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
نظر " سليم " لوالده الذي يضع راسه بين كفيه بتعب عندما سمع قول الطبيب عن تعرض "زين" لفقدان ذاكرة مؤقت فقد سنة ونصف من ذاكرته تذكر حديث الطبيب وهو يقول : الفترة دي الي نسيها كان في حدث مهم مسيطر على تفكيره بشكل كبير جداً لحد ما بعد عن التفكير بالموضوع دا شوية ممكن يكون بدأ يفكر بحاجة تانية او حدث مهم أخر دخل تفكيره وسيطر عليه بشكل أقوى من الحدث الأول مع أول حادث إله عقله خاف يكون الحدث التاني كذب ويفوق على الحدث الأول فتلقائي حذف الفترة دي عشان لو كانت كذب ميتوجعش يبدو ان الحدث الأول كان موجع بالنسباله فقرر انه الوجع القديم ولا يزيد عليه وجع تاني
بينما تحدث والده بحيرة : زين ابني مرت فترة سيئة جداً بحياته اثرت على نفسيته بشكل كبير لحد ما اتجوز كارما مراته بدأ يرجع وحدة وحدة لطبيعته
ابتسم الطبيب بتفهم وهو يقول : يبقى مراته هي الحدث التاني الحلو بحياته .. عقله محى الفترة دي لانه خاف تكون مراته وهم هو عايشه ... لو كان وهم هيتوجع بصورة كبيرة جداً يمكن اكبر من الحدث الأول لأنه حسب كلامك كانت هي حبل النجاة بتاعه من الحدث الأول
تابع الطبيب بعملية : عموماً هو فقدان مؤقت فقد سنة ونص من ذاكرته حسب المعلومات الي جمعتها منه أثناء الكشف عليه .. دلوقتي علاجه الوحيد هو تبقى كارما بحياته وتبدا من أول وجديد معاه .. يمكن يكون الشي صعب بس دا أساس لعلاجه وتحميه من تفكيره الي ممكن يفسر احداث بطريقة غريبة
كان حديث الطبيب كصفعة مؤلمة لهم فبعد أن استطاع التخلي عن ماضيه ها هو عاد كما كان .. دلفت " وفاء " للغرفة وهي تقول بحزن : تكلمت معاه زي ما قال الدكتور بحكاية جوازه ورفض الفكرة وقال انه دا كذب وهو مش متقبل وجودها أبداً .. قال انه هو رافض الجواز وأكيد دا كذب عشان نخرج من حالته بس
تنهد " سليم " بثقل وهو يقول : حالته ؟
تحدثت وفاء : قصده الحادث بتاع جدك مش الحادث دا
تحدث " عبد الرحمن " بثقل : الدكتور قال كارما العلاج بتاعه لازم يتقبل وجودها
دلفت "كارما" للداخل بعدما ذهب "ياسين" لمنادلتها كانت ابتسامتها تزين ثغرها عندما علمت أن قد فاق من غيبوبته المؤقتة لكن سرعان ما انمحت ابتسامتها عندما رأته يجلسون هكذا .. سألت بخوف : في إيه .. زين ماله ؟
اشار لها "عبد الرحمن" بالجلوس جلست سريعاً بينما بدأ بسرد ما قاله الطبيب حتى انتهى نظر لها وجدها تنظر للفراغ بشرود و دموعها استرسلت على وجنتيها بألم .. تحدثت أخيراً تجاهد عدم البكاء : أنا مستحيل اتخلى عنه .. سيبني انا هروح أتكلم معاه .. أنا عمري ما هسيبه أبداً حتى لو كان دا بموتي
ابتسم عبد الرحمن على اختيار ولده ثم وقف وقبل رأسها بحنان أبوي وهو يقول : ربنا يكرمك .. باقي حاجة وحدة لازم تعرفيها
نظرت له باستغراب فتحدث سليم بصعوبة : أكبد انت عارفة انه في ماضي لزين ودا كان مسبب ليه أزمة المهم زين بيكره الميتشفيات عشان جدي توفى هنا .. انا مش هتكلم بالماضي عشان هو قبل ما يفقد الذاكرة طلب منا انه هو الي يقلك انا بس قلت ليكي كده عشان تراعي ردة فعله ع موضوع المستشفى وكده ..
تذكرت عندما كاد بسرد ماضيه في شهر العسل الخاص بهم هزت رأسها بهدوء وهي تقول : متقلقش .. انا هعرف أتصرف .. دلوقتي انتوا روحوا ارتاحوا عشان تيجوا الصبح فايقين انا هبقى الليلة .. قبل ما تعترضوا انا عندب حالة طوارى بتابعها فهي هي كنت هبقى مفيش داعي انا نبقى كلنا
وافقوها مانحين إياها فرصة للحديث مع " زين " اطمئنوا عليه ثم غادروا .. بينما هي اتجهت لمكتبها جلست على المقعد بتعب وهي تبكي وتهمس بألم : ناسيني .. ناسيني .. نسي أيامنا وفرحنا و كل حاجة تخصني نسيها
صرخت بألم : ااااه .. إزاااي كده
مسحت دموعها سريعاً وغسلت وجهها بقوة وهي تحدث نفسها : هو محتاجني جمبه حتى لو هو رافض .. انا علاجه من ماضيه .. يا ترى إيه الحدث الي خلاك تنساني يا زين إيه الحدث إلي انا كنت أقوى منه وسيطرت على تفكيرك
تنهدت بتعب وهي تشعر بجسدها وقلبها يصرخان بالراحة المفتقدة لأيام لها .. خرجت من المكتب تسير بخطوات واثقة هادئة لغرفته تبدأ من جديد معه لكن تلك المرة هي المجهولة له ..
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
سلط نظره على شاشة الهاتف ينتظر الرد .. وللمرة الخامسة لم تجيب .. تنهد بضيق يبدو أنها مشغولة .. الوقت تعدى السادسة مساء فالأرجح عادت من عملها .. تنهد "خالد" بقلق من عدم إجابته على اتصالاته .. سأله آدم باستغراب : مالك يا خالد مش عارف تقعد كده
أجاب بقلق اخفاه بإحترافية : برن ع كارما بتردش
تحدث آدم بهدوء : يمكن نايمة
تحدث عمر وهو يسلط نظره على هاتفه : يمكن مش سامعة الموبايل لأنها النهاردة عند حماتها هيباتوا الليلة
ساله خالد بهدوء خطير : انت عرفت منين ؟
أجاب عمر ببرود : كلمتها الصبح بدري
قذفه "خالد " بالوسادة وهو يقول : بقالي ساعة قلقان يا حيوان ما تتكلم من الأول
بدات جولة جديدة من المشاكسة بينهم خاص بعد أن وجد "عمر " خصمه لتفريغ مشاكسته بعد أن انتهى الأمر بهم دون وجود أياً من "كارما " أو "ريم " ...
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
دلفت " كارما " بخطوات بطيئة عيناها حمراوتان كقطعتي جمر تتساقط المياه المالحة من مُقلتيها أغلقت جفونها تترك العنان لسائر الدمعات بالتحرر لم تستطع السيطرة على دموعها ... وجدت " زين " يضع رأسه بين يديه ويأنّ بألم اقتربت منه سريعاً تجلس على حافة الفراش بينما رفع "زين" رأسه عندما سمع صوت بالغرفة وجد فتاة تجلس على طرف الفراش عيناها حمراوتان مليئتان بالدموع ملامحها هادئة و ..فاتنة .. نعم هي بالفعل فاتنة .. فاق من شروده عندما شعر بيدها تربت فوق يده بحنان وتقول بهدوء ورقة وهي تجاهد على عدم البكاء : حمد لله على سلامتك يا زين
أجال بجمود وهو يسحب يده السليمة من اسفل لمساتها الحنونة : الله يسلمك ... ليكمل بحيرة : انتِ مراتي ؟
لتجيب بهدوء شديد : ااه .. انا كارما مراتك
تحدث "زين" بغضب : تمام و انا مش عايزك .. ابعدي ..
لحظة .. لحظتان ... في اللحظة الثالثة اغمضت عيناها تخفي الدمع المتراقص يهدد بسقوطه ابتلعت غصة بحلقها .. سقطت من عيناها دمعة متمردة ارادت التحرر فوق وجنتيها المشتعلتين بلهيب حارق يندلع من قلبها لينعكس على وجهها الجميل ... مسحتها وفتحت عيناها بهدوء شديد جعل من أمامها يقع بغرام عينيها واعادت ابتسامتها وقالت ببرود : تمام وانا مش عايزة ابعد
فاق من سحر عيناها على كلماتها لينتفض عن الفراش يردف بنبرة اشبه بالصراخ : قلتي ايه ؟ مش عايزة تبعدي ؟ انت ...
قطع كلماته عندما اصابه ذلك الألم الذي يكاد يفتك برأسه آنّ بألمٍ شديد .. لتسرع وهي تعدل الوسائد من خلف ظهره وتريح رأسه على احدهما و تدلك رأسه بخفة شديدة واحترافية ليغمض عيناه مستشعراً الراحة لتقول بهدوء : اهدي الحركة الكتيرة غلط عليك انت حالاً خارج من العمليات ميصحش كده
أخذت نفس عميق وهي تشعر انها تخوض معركة لا تعلم عنها شئ سوى انها في اي لحظة تقع ضحية للظروف التي اجبرت كلاهما على هذا الواقع المؤلم لذا لا للاستسلام ، اردفت بهدوء شديد : انا عارفة ان صعب عليك تكون نايم تصحى تلاقي نفسك متجوز وانت اصلاً رافض الفكرة ، لكن زي ما قال الدكتور انت حصلك فقدان ذاكرة مؤقت ، فقدت ذاكرة لاخر سنة بحياتك هي السنة الي اتجوزتني فيها ، اخر حاجة فاكرها هي مرور تلات شهور على وفاة جدك
ليتجمد جسده أسفل يديها التي تدلك رأسه لتعود وتجلس على حافة الفراش وتقول بنبرة أمر هادئة : افتح عنيك يا زين
فتح عيناه ببطء شديد لتبتسم بخفة فهي تعلم كيف تروض هذا الوسيم المتمرد : الي حصل حصل ما نقدرش نغيره ، دا قضاء وقدر ، انت فاكر انو حد فرض جوازك واول احتمال هو باباك لا يا زين باباك ما فرضش عليك حاجة انت اتجوزتني بنفسك
لتأخذ نفس عميق تحاول السيطرة على دموعها فهو يظن انه تزوجها اجباراً تحت ضغط، اصبحت كالدمية بين أيديهم ، تابعت: انا مش هبعد عنك يازين الا لما ترجعلك الذاكرة دا فقدان مؤقت وبإذن الله هترجعلك اوعدك اول ما ترجعلك اني هبعد لتكمل بشرود : هبعد خالص ..
باغتها سؤاله : ليه ؟
نظرت له بعدم فهم ليتابع : ليه عايز تبقي معي وانا رافضك ؟ ليه مش عايزة تبعدي ؟
انا بقلك مش عايزك ، ايه البرود ده مش عايزك اغنيهالك !
ليتها تستطع البوح عما بداخلها .. تتمنى لو تصرخ بصوت عالي محاولة في اخراج ذلك الألم الذي يفتك بقلبها ..لتقول ببرود اكتسبته من باريس تلك المدينة الباردة في تلك اللحظة فقط تمنت لو لم تعود.. ليتها بقيت هناك فقلبها لا يستطيع تحمل كل تلك الآلام ..
تابعت بهدوء ونبرة باردة : انا قلت هبقى لحد ما ترجعلك الذاكرة وبعدها هبعد بدون ما تتكلم ، ليه عايزة ابقى معك عشان انا تعلمت لما اشوف حد محتاج مساعدة اساعده ما بالك جوزي !
تعمدت ذكر انه زوجها لتخرجه من الأوهام الماضية التي تزيد من بناء حاجز بينه وبين نفسه ..
خرجت منه ضحكة ساخرة وهو يردد كلمتها : جوزك !
انا مش متجوز ولدلوقتي مش مقتنع بالكلام الفارغ ده
حسناً فلتتحلى بالصبر لاخر مرة : خلاص بلاش انا مش مراتك
بدت بسمته في الظهور ظن انها اقتنعت بما قاله لكن اختفت سريعا عندما اكملت : بس برضو مش هبعد الا لما ترجعلك الذاكرة بعدها اوعدك مش هتشوفني تاني تمام ؟
لم تنتظر اجابته ارجعت رأسه الي الوسادة مرة آخرى وهي تقول بحزم رقيق : خلاص دلوقتي تنام عشان تريح دماغك وبكرة نكمل كلام ، الانفعالات دي غلط
لتكمل باستفزاز مرح : ما تقلقش احنا هنقعد مع بعضنا فترة كويسة هنعرف بعض اوي وهنتكلم براحتنا
لم يرد عليها بدت المسكنات القوية تنتشر بأوردته لتتهاوى جفونه بتعبٍ شديد .. تابعته بدمع يتراقص بعيناها لتربت على شعره بحب وتقبل يده المُصابة وهي تهمس : باين هتعب اوي معاك يا عنيد
لتتابع بتحدي عنيد : بس يا أنا يا أنت
لم يغمض لها جفن بينما الترقب والتفكير ابعدوا النوم عن عيناها بالرغم الوهن والارهاق الذي اصابها جراء هذا اليوم الطويل ... بقيت تتأمله لمدة طويلة وهي تهمس لنفسها بأن القادم ليس بهين .. غاب صوتها من الإرهاق تهاوت جفونها وهي تستند برأسها على الكرسي المجاور للفراش ويدها تمسك بيده السليمة بقوةٍ تخشى ان يتركها ، هذا الآمان المنبعث منه تخشى افتقاده ..
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
في الصباح ..
استيقظ من غفوته ليشعر بشئ يمسك يده بقوة لينظر يجد تلك الصغيرة تغفو على الكرسي المجاور للفراش تمسك بيده بقوة كأنها تخشى ان يهرب ليتأملها ببطء .. تلك الجميلة زوجته كأن داخل عيناها كوباً من القهوة .. وأهدابها الطويلة .. ملامحها الهادئة الطفولية .. قطع تأمله لها طرق الباب وكزها بخفة بيده يناديها بنبرة صارمة : كارما ، كارما ، يلا قومي ..
انتفضت كمن لسعها عقرب لتقول بلهفة : زين انت كويس .. حصلك حاجة .. في ايه ؟
استغرب ردة فعلها لكن لهفتها اشعلت شئ بداخله ليقطع تفكيره طرق الباب للمرة الثانية ليأذن بالدخول ، دخل" سليم " قائلاً بهدوء : صباح الخير يا زين
ليتابع وهو يلتفت ل"كارما ": صباح الخير يا كارما
بادلوه التحية ثم استأذنت "كارما" للخروج مانحة إياهم فرصة للحديث ما أن خرجت تحدث " زين " بتعب : شوف الدكتور يكتبلي خروج
أردف سليم بقلق : لا ميصحش ، انت خارج من عمليات ووقعت ع راسك ، ممكن تتعرض لمضاعفات
تحدث زين بجمود : انا تمام ومش هيحصل حاجة ان شاء الله
ليحاول "سليم" إقناعه قائلاً بمهاودة : طب اصبر لبكرة نكون اطمنا اكتر
تحدث زين بعناد : مش صابر ولا ثانية انا عايز اخرج حالاً .. ليتابع بسخرية : ما مراتي دكتورة تبقى تتابع حالتي يلا !
تنهد سليم بقلة حيلة : حاضر هشوف الدكتور يكتبلك خروج
ليسأله بحذر : هتعمل ايه مع كارما ؟ شايفك تقبلت وجودها
ليقول زين بسخرية : تقبلت وجود مين ! دي هي الي مش عايزة تمشي ، انا مش عايزها اصلاً
تحطم قلبها أشلاء صغيرة .. للمرة الثانية يوقعها القدر بدائرة الواقع الأليم فقد سمعته وهي توشك على طرق الباب أدمعت عيناها تريد البكاء والصراخ عالياً .. كفى تحطيم بقلبي الصغير او لم تكتفي ؟!
مسحت دموعها بعنف محدثة نفسها انها ما زالت بالبداية .. طرقت الباب وولجت للداخل لمح "سليم" عيناها الباكية وملامحها الباهتة ليحزن بشأنها لا تستحق ما يحدث لها .. ليهمس ل"زين" بصوت لم يصل لمسمعها : بكرة تندم صدقني
ابتسم " زين" بسخرية لاذعة وجه "سليم" حديثه ل"كارما" بلطف وهو يغادر الغرفة : معلش يا كارما تساعدي زين عشان عايز يخرج النهاردة
اومأت له وذهبت اتجاه الحقيبة الصغيرة الموضوعة على الأريكة أخرجت ما يحتاجه .. لدهشته انها لم تعترض فقد توقع ان تعترض .. اما هي فتعلم انه عنيد وتوقعت ان يطلب الخروج فذكرى جده ما زالت تلازمه كما أخبرها "سليم" بذلك تشعر بشى ما يُخفى خلف تلك الحكاية .. أما هو أجواء المشفى تجمد الدماء بعروقه .. تعيده لذكرى واقع أليم يرفض تقبله ..اتجهت ناحيته بهدوء لتساعده في نزع التيشيرت محاولة الابتعاد عن جرحه ويده المصابة استطاعت بصعوبة ، ساعدته في ارتداء ملابسه العلوية وتوجه إلى الحمام الملحق بالغرفة ليغسل وجهه وأسنانه .. انتهى خرج وجدها ترتب ملابسه بالحقيبة و تجمع متعلقاته .. التفتت ناحيته قائلة برقة : خلصت ؟
اومأ لها دون ان يردف بكلمة اتجهت ناحيته تحمل الحقيبة وهي تمسك يده بقوة داعمة اياه و تعيد هي القضاء على هواجسه مرة اخرى وإخراجه من دائرة ماضيه البائس المجهول لها من وجهة نظرها ..
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
وقفت أمام المرآة تصرخ بجنون : إزاي يحصل كده ! انا شفتها سبقاه ع السلم ازاي يقع هو إزاااي !! أبقى بخطط عشان اتخلص منها وتيجي فيه .. إزاي !!
التفتت حول نفسها وهي تشعر بنفسها على وشك الجنون خططت للتخلص منها ليلعب القدر لعبته و قد أصر الزمان أن يعيد نفسه ليفتح سجلات الماضي التي تم إغلاقها منذ يومها لكن هو لم يمنحه الزمان تذكرة النسيان ليتمتع بنعمتها .. الماضي الذي سينقلب عليها هي أولاً بعد أن تُكشف الحقائق .. كانت لا زالت تصرخ غافلة عن الشخص الذي سمع حديثها و قد شلت الصدمة أطرافه بقوة وهو غير مصدق ما تفوهت به قبل قليل ..
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
انتهى البارت ..

رأيكم بالبارت ؟
توقعاتكم ؟
لو البارت دا جاب كومنتات كتير هنزل كمان واحد هدية ❤
ما تنسوش الفوت 👇🏻
دمتم بخير 🤍

الطيف المجهول حيث تعيش القصص. اكتشف الآن