الثاني واربعون

417 28 2
                                    

لقد استفاقت اخيرا...
هل عليه ان يكون  سعيد بهذا الخبر؟
هل يفرح انها اصبحت بخير كما اخبره الطبيب؟...
لقد طار فرحة حينما وصله انها اخيرا عادت لوعيها وركض من فوره لغرفتها التي يقف امامها طوال اليوم الا من لحظات يستقطعها للطعام او الرد علي الاتصالات.
لقد كان يمني نفسه بأنه ما ان يراها بخير حقا وعادت لوعيها حتي يصنع العجائب فرحة لكن....
ويا ويلنا من تلك الحروف الثلاث..
لكنها لم تصبح بخير..
او بمعني اكثر دقة لقد اصبح جسدها بخير فقد تعافت كدمات وجهها وجسدها وتلك الرضوض في عظامها وقلبها استقرت نبضاته والجزء الأهم منها ذلك المخ الذي يعلو رأسها بخير ايضا فهي لم تعد مريضة جسديا ...
لكن هل هذا يعني انها بخير؟ 
لا لأن تلك الجثة الهامدة مفتوحة العينين التي امامه الأن لا يصح ان يقال عنها انها  بخير...
اين الخير في وجه شاحب كالموتي...
وعيون خاوية...
وجسد ساكن بارد الأطراف لا يستجيب لشيء.
اين الخير في جثة تتنفس...
انفاس خفيفة لا تسمع هي كل ما يحصلون عليه منها لا تتحدث لا تتفاعل عينيها مثبتتان علي نقطة واحدة طوال اليوم ساكنة كحورية بحر مستلقية علي الصخور تتابع خيوط الشفق والصمت يغمر الكون من حولها.
لقد حاول الحديث معها...
بثها حزنه وقهره علي فقدانها قديما اخبرها كم اشتاقها وكم حارب ليعود الي حياتها ..
اعتذر عن ما لم يملك به يد...
ترجاها أن تقوم حتي لا يخسرها مرة اخري...
فعل كل شيء ولكن لا شيء...
لا حركة...
لا همسة...
ولا حتي رفة جفن.
ولا اي دليل علي انها سمعته حتي...
بعث لصديقاتها المقربات لعلهم ينجحون فيما فشل هو به ويخرجونها من حرم صمتها المقدس.
حاولت ملاك وظلت تثرثر معها تخبرها عن كا شارة وواردة من يوم فقدها.
وتحدثت تمارا بالكثير من الذكريات والضحكات.
واخبرتها كياة كم كان صعبا فراقها وما عانوه جميعا حتي تعود اليهم.
وبعد كل هذا لا شيء.
لم تستجب لأي منهم ولا حتي بقطرة دمع.
لا شيء ولا شخص استطاع اخراجها من صمتها الذي يحيطها كفقعة.
ولا اي كلمة قالوها سرقت اي رد فعل منها مهما كان بسيطا.
ألا يكفيه ما مر عليه في الشهور السابقة لتزيد حالتها تلك من همومه وخوفه.
أليس له من راحة ولو لدقائق.
انه لا يعلم حتي الأن  كيف تحمل تلك الأيام التي مرت ككابوس عنيف كاد يوقف قلبه ..
كيف تحمل الرعب الذي خلع قلبه من موضعه حينما حدثه شريف مختار ليسأل عن اختفاء ورود...
ورود طفلته الحبيبة...
ذنبه الذي لم يغفره يوما لنفسه...
لقد احب ابنائه من زوجته الأولي رغم كل شيء وكل ما عاناه في ذلك الزواج لهذا حاول قدر الامكان ان يبثهم هذا الحب في كل لحظة كان فيها معهم...
ورغم انه احبهم بنفس المقدار الا ان لورود محبة خاصة عنده منذ وضعتها الممرضة بين زراعيه لأول مرة..
ورود ابنته الغالية الهادئة التي هونت عليه سنوات الشقاء التي عاشها ضائعا في حياة مريرة مع زوجة لا يحبها ومنزل يشعره بالاختناق.
لقد ضاعت ابنتيه منه في تلك اللحظة  التي اختار فيها ان يعيش حياته اخيرا بعض سنوات من الضياع...
سنوات من المرارة..
لقد اعتقد ان من حقه اختيار السعادة لتلك السنوات الباقية من عمره...
ولكن كأن السعادة ما خلقت له فمنذ رحيله وهو ممزق بين جزء سعيد منه في منزله الجديد حيث زوجته التي يحب وحياة كما الأحلام وما بين الذنب لما حل ببناته بسبب والدتهم والألم لرفض احداهما تقبله او حتي رؤيته وهي الغالية بالنسبة اليه.
لقد اعتقد ان الزمن سيداوي ألمهم وانه سيكون في متناول اليد دوما اذا ما احتاجاه.
اعتقد انه يحميهما ويفعل لأجلهما الكثير ليكتشف فجأة انه كان يرعي وحش متنكر علي هسئة ابنته الكبيرة.
لقد صدم كأنه قد داس علي لغم واي خطوة سوف يتحركها مهما كانت بسيطة سوف تقتله.
واي قتل ابشع من ان يعلم ان ابنته الكبري سعت لقتل شقيقتها.
والسبب مجهول.
لماذا...
تلك الحروف الخمس تقتله مكونة ألف سؤال...
لماذا فعلت جيهان هذا وقتها وكذبت عليه..
لماذا سعت لإبعاده عن ورود بكل ذلك الاصرار..
لماذا عاشت في مستوي اقل مئة مرة مما كانت تعيش فيه...
لماذا كادت تقتل شقيقتها...
لماذا ولماذا...
لأسئلة لا تنتهي....
ولا اجابة واحدة شافية.
تنهد بعمق وهو يعود بنظراته لإبنته الصغري ..
انها الأهم الأن فالأخري انتقلت لعالم اخر حيث الحساب قبل حتي ان يستطيع ضمها واخبارها انه يحبها وانه اسف كما فعل مع ورود.
ورود.
كم اختلفت ملامحها عن تلك التي ودعها قديما ورحل.
التي امامه لم تكن تشبه بأي طريقة ابنته قديما ولا تشبه ايضا تلك الفتاة في الصور التي شاهدها مع ملاك.
فالفتاة في الصورة بشعر طويل غجري وعيون لامعة وضحكة متسعة ووجه نضر وجسد صحي ممتلئ. لكن التي امامه بشعرها الذي اصبح قصيرا بعدما قصته لها ملاك وتمارا حينما اصبح كتلة متخشبة من القذارة...
وجهها الشاحب وتلك الظلال السوداء التي تحيط بعينيها جسدها الذي اصابه النحول لنقص الغذاء  ...
ترفض الطعام والشراب منذ استيقاذها ولا يدخل جسدها سوي المحاليل التي بالكاد تبقيها حية.
انه يخسرها مرة اخري...
يخسرها في اتجاه الموت هذه المرة...
هو لن يسمح بهذا....
لن يسمح لها بقتل نفسها بهذه الطريقة ....
سوف يسنع المستحيل حتي يستعيدها..
لن يسمح لها او انفسه بخسارتها مرة اخري ليس بعد ان وجدها.
ليس بعد ان رحلت الأخري قبل حتي ان يودعها.
ان قلبه يحترق ولا احد في الكون يشعر به.
فهو اب خسر احد ابنائه وكاد يخسر الأخرى.
:- عمو كامل...
نفض شروده عنه والتفت ينظر الي ملاك التي تقف خلفه...
لقد ظنها رحلت مع الفتيات لكنها تقف بهدوء خلفه مع ابتسامة ناعمة حذرة ..
:- بابا اتصل وقال انهم محتاجين حضرتك في القسم ضروري....
انعقد جبينه بتفكير ثم قال لها بتهذيب..
:- طيب ممكن تفضلي مع ورود لحد ما ارجع... ولو اي حاجه حصلت بس اتصلي عليا وانا مش هتأخر.
ابتسمت له بموافقة ثم قالت بتوتر...
:- دكتور طارق عرض انو يجي يشوف ورود انت عارف يا عمو هو كان الدكتور بتاعها وممكن  يفيدها...
هز رأسه بلا معني والأمل داخله يكاد يتلاشي..
فهي من  لا تريد العودة...
هذا ما قاله الطبيب ورود  لا تريد الحياة..
ولا احد قادر علي ايقافها...
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
جلس امام الضابط المسؤول عن القضية وهو يكاد يستنتج لما ارسل لإحضاره..
لقد اراد البحث في القضية ..
وما الفائدة من القضية بعد الأن والجاني قد مات..
والمجني عليها تتمني الموت...
ما الفائدة من كل هذا البحث والليالي العجاف التي انقضت اذا كان الموت هو نهاية الدرب..
تنهد بعمق وهو يستمع لكلام الرجل الذي لا معني له فصمت الأخير وهو يشعر بكم الهم الذي ينضح به وجه الرجل الأكبر سنا ثم تابع بشفقة...
:- انا مش عارف اقول لحضرتك ايه ياكامل باشا...  انا مقدر فعلا الي مريت بيه الأيام الي فاتت واتمني الشفاء العاجل للأنسة ورود لكن قفل القضية واحنا معانا طرف خيط زي دا مش صح ابدا.... 
تحدث الرجل اخيرا بصوت مهذب اختلطت فيه لهجة بلده والبلد الأخري التي قضي فيها اكثر من عشر سنوات...
:- اسف يا ولدي ماني مهتم....  الي كان بدي ياه هو بنتي ورجعت والله يتمم شفاها علي خير هيدا كل الي بدي اياه والتانية...
ابتلع غصة مريرة وهو يتابع بصوت مجروح وقد تهدل كتفيه حزنا...
:- والتانية ماتت...  ولو هي الي عملت هدا ولا مانا هي ما عاد يفرق انا راح اخذ بنتي واسافر اول ما حالتها بتسمح وما بدي شوه صورة بنتي التانية واخليها مجرمة بنظر القانون هي خلاص راحت والله راح يحاسبها ...
هز الضابط رأسه بتفهم لكنه عاد يحاول اقناع الأخر..
:- انا مع حضرتك في كل كلامك لكن قفل القضية مش حل زي ما قولتلك انا فاهم ومقدر انك مش عاوز تيجي سيرة المدام جيهان ربنا يرحمها في الموضوع لكن افرض ان الي عمل كدا حاول يأذي الأنسة ورود مرة تانية والفرض الأقوي من كدا يمكن الي عمل كدا متكونش الانسة جيهان وساعتها ممكن يكون في خطر علي حياة الانسة ورود حتي لو سافرت مع حضرتك...
رفع الرجل عينيه اليه منعقد الحاجبين ولمعة خوف شعت من عينيه العنبريتين ليتابع الأخر كلماته عاملا بذالك المثل القائل اطرق الحديد وهو ساخن...
:- وطبعا مش محتاج اقولك ان الانسة ورود نجت بمعجزة وممكن لو كان في مرة تانية ميكنش في فرص للنجاة....
بدي الاقتناع علي وجه الرجل الأخر ليتنهد ثم قال باقتضاب..
:- طيب يا ولدي شوف الي فيه الخير وساوي... 
خرج من قسم الشرطة ثم صعد الي سيارته التي استأجرها حتي يستطيع التنقل بسهولة بين المشفي والمنزل الذي استأجره حديثا بالقرب من فيلا آل مختار بعد ان اصر علي شريف ليسمح له بالرحيل فقد اثقل عليهم بوجوده ايام طويلة..
قد يكون الخير الوحيد في هذه الأيام هو تعرفه علي شريف مختار وعائلته...
ادار محرك السيارة استعدادا للرحيل لكنه اوقفها مرة اخري وهو يري اسم يضيء شاشة هاتفه ونغمة مميزة لم يغيرها منذ سنوات طوال ...
فتح الهاتف بسرعة ووضعه علي اذنيه قائلا بشوق وكأن صوته يشكو اليها البعاد وقسوة الأيام ويعلم انها ستفهم من اول حرف سينطقه ...
:- وروود..
:- عيونا...
صوتها المبحوح تسلل الي قلبه مباشرة يربت عليه بنعومة كما العادة...
:- كيفك اليوم يا عمر ورود والله ماليني القلق عليك يا غالي طمني عليك ...
تنهد بعمق ولم يحتج لقول اي شيء اخر لتفهمه لتشعر بألمه وبما يعانيه..
همست له بحزن..
:- بعيد عنك شر الأه يا كامل  فيني ولا فيك هالهم فيني ولا فيك يا حبيب الروح بالله طمني عنك انا عارفة بتنسي تاكل وتاخد ادويتك صح ...
:- ومين فيه نفس للأكل يا ورود سبحان من قواني علي الأيام دي...
صوته اللين الذي طالما داوى جروح قلبها ملئها حزنا علي ما يمر به صمتت لثواني تبتلع دموعها حتي لا تزيد من حزنه ثم سألت..
:- كيفا اليوم...
:- اسوء..  من يوم ما فاقت وهي بترفض الأكل وما بتتفاعل مع اي حدا فينا...  تعبت يا ورود تعبت مفيش فايدة من اي حاجة بنعملها مش قادر اشوفها بتموت وانا عاجز عن مساعدتها...  بموت وانا بتخيل حالتها بسبب بنتي...  اختها...  فرمتني الحياة في شهر يا ورود دمرتني  بشهر واحد....
:- اروحلك فدوة بالله ما تقولها ان شالله الله يقومها بالسلامة بالله ما تزعلني عليك يا كامل... والله احترق قلبي بهالشهر  وانقهرت اني ماني معك...
:- ما في داعي تجي يا ورود ان شاء الرحمن اول ما يإذن الطبيب هرجع انا وورود معي... ادعيلها الله يشفيها وتقوم بالسلامة...
:- والله ما بوقف دعاء ترجعلك بالسلامة وتردلنا انت وهي بألف خير...
امن علي كلماتها وقد طابت نفسه بحديثها وكأن مشاركته لهمه معها خففه...
انه لا يستطيع لوم نفسه لأنه انتهز فرصته الوحيدة في الحياة وتزوجها..
لا يستطيع لوم نفسه لأنه اراد السعادة بعد سنوات عجاف من الحزن والغم.....
لا يملك ما يلوم به نفسه وهو لم يظلم زوجته الأولي يوما بل ظلم نفسه ببقائه معها...
ولو عاد به الزمن لتزوج ورود مرة الأخري فهو ليس قرار حتي يتخذه انه امر القلب وليس لأحد علي القلب سلطان....
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
دخل الي الغرفة الباردة الكئيبة التي اعتاد علي مثيلاتها منذ سنوات فهي لا تختلف عما يراه كل يوم منذ التحق بكلية الطب..
نفس الجدران البيضاء والفراش الضئيل ونفس الأزيز الذي يعلو من الأجهزة ونفس الرائحة المزعجة للمطهرات ونفس النافذة التي تطل علي الخارج ولو ان النافذة في هذه المشفي لا تدخل الضوضاء والازعاج كما المشفي العام الذي اعتاد العمل فيه...
كل شيء في هذه الغرفة عادي...
لكن مشاعره هي التي تموج ضاربة صدره تدمر اي ثبات داخله...
تدمر كل خلية قوية فيه..
خطواته البطيئة قد تبدو ثابتة واثقة لكنه اكثر من يشعر باهتزازها..
يتقدم خطوة بلهفة ليراها بعد غياب ويتراجع خطوة خوفا وألما مما سيراه...
خطوة اخري واقترب اكثر من الفراش الأبيض البسيط الذي تستلقي عليه من خطفت النوم من عينيه ليال طويلة وسرقت قلبه لنهاية العمر...
دار حول الفراش ليقابل عينيها وهو مشاق لنظرة من شمسه الغاربة لعل ايامه تعود لإشراقها .
نظرة واحدة منها تشفي علة قلبه الذي ينتفض خوفا عليها في كل لحظة يتمني فقط الاطمئنان انها ستكون بخير...
اليوم..
او غدا..
او بعد سنوات...
سوف يصبر،
ينتظر،
و يتحمل..
سيكمل الدرب معها حتي تكون بخير...
تأوه بشوق وقلبه يضرب جدران صدره بعنف وعينيه تتكحلان برؤيتها اخيرا...
وجهها الخمري الشاحب الذابل كوردة اقتطفها احمق وألقاها ارضا...
شعرها المموج اصبح قصيرا بالكاد يلامس اذنها العارية من الأقراط...
عينيها تنظر لنقطة في الأرض بثبات كأنها لا تشعر بوجوده وملامحها الباقية جامدة كأنها دمية خزفية...
رغم كل هذا كانت اجمل شيء رأه منذ ثلاث اشهر...
ان يراها مفتوحة العينين تتنفس امامه هو اجمل ما حدث له طوال هذه الشهور العجاف...
تمني لو يملك الحق في مد يده اتجاهها ليلامس خصلاتها القصيرة يلامس كل حد من حدود وجهها...
يتأكد من دفء جسدها من انفاسها من انها حية و  بخير..
او علي الأقل حية وستكون بخير...
هبط علي ركبتيه ليناسب طوله ارتفاع فراشها وناداها بصوت أجش لا يشبه صوته في شيء....
لم تجبه...
لم ترمش بأهدابها..
لم يتأثر فيها اي شيء كأنها لم تسمعه...
لكنه لم يهتم..
انه يعلم تماما ان الدرب طويل وسيكون شاكرا لله انه هو من سيأخذ بيدها علي طول هذا الدرب الي ان تشفي وتعود وردته اليانعة مرة اخرى.
لاحت ابتسامة مرتجفة علي شفتيه وهو يتابع حديثه لها...
:- وحشتيني...  مش هقدر اوصفلك اد ايه لأن مفيش كلام هيكفي... وانتي عارفة اني مش بعرف اتكلم كتير.... بس انا جاي انهاردة اتكلم معاكي في ألف حاجة نفسي اقولهالك.... كل حاجة في بعدك كانت مرعبة...  انا عارف انك لو كنتي كويسة وسمعتيني كان زمانك طولتي لسانك واتريقتي عليا دلوقتي...  هتصدقيني لو قولتلك اني بتمني تطولي لسانك زي الأول بتمني اسمع صوتك ونتخانق او نضحك او نضايق بعض...  وحشني صوتك وتريقتك... وحشني كلامنا وحشني وجودك... 
تنهد بعمق ثم تابع وهو يحاول تركيز عينيه علي عينيها التي لازالت تتجاهله...
:- في كلام كتير اوي هقولهواك لما تبقي كويسة....  انا عارف انك سمعاني... وعارف ان الي مريتي بيه مش سهل....  لكن عارف انك قوية... انتي اقوي حد عرفته في حياتي يا ورود.... دايما كنتي بتبهريني بقوتك..... انتي بتقدري تدي الحنان والحب لكل الي تعرفيهم رغم انك اكتر واحده محتجاهم..... بتضحكي وتفرحي وتملي الدنيا فرحة وانتي جواكي حرب ودمار ... انتي كنتي وهتفضلي معجزة... هتفضلي معجزتي الخاصة الي مش هفرط فيها ولا هسمحلها تسيب نفسها للموت..... انا  عارف انك هتقاومي عشان انتي مش ضعيفه ولا جبانة ... انا عارف انك هترجعي... وانا هكون جنبك... هاخد بايدك للدنيا تاني... عشان انا محتاجك فيها محتاج اقولك كلام كتير لازم تخفي وترجعي ورود الي اعرفها عشان تسمعيه ومش هسمحلك تهربي انا بقولك اهو....
ارتجافة خفيفة اصابت مقلتيها وقطرة دمع تترك عينيها لتسقط علي الأرض وتليها اخرى إلتقطها بإصبعه وعينيه تقاومان مشاركتها الدموع...
:- وحياة كل دمعة مع عيونك مهسيبك تضيعي ولا هسمح لأي حاجة تأذيكي تاني حتي نفسك..... هنمر بالألم دا سوي هنبدأ الرحلة سوي لحد متقدري تعدي الدوامة الي انتي غرقانة فيها دي....
مد كفه يلامس ذقنها ليرفعه اتجاهه حتي يجبرها علي النظر اليه وكأن عينيه تقسمان لها علي تحقيق ما قاله...
تتوسلانها ان تساعده...
تبثانها اشتياقا يكوي قلبه لعودتها..
يشكوها خوفا يمزق عقله الذي اشتهر برجاحته حتي اقتحمت هي حياته فأصبح مجنونا بها ولها ومعها...
لدقائق طويلة غزلت ساعة واكثر  من الزمن ظل جالسا علي ارص الحجرة الباردة ظهره يلامس فراشها قريب من دفئ انفاسها وكفه تتمسك بكفها المتدلي عن الفراش وعينيه تنظران الي النافذة بغير رؤية حقيقية يشاركها الصمت دقيقة ويتحدث اليها دقيقة يقص عليها كل ما فاتها بثرثرة لا معني لها الا ان يطيل الوقت معها لعلها تلتقط كلماته تلتقط الشوق بين الحروف..
تلتقط الحب الذي غلف به كلماته حينما اخبرها عن صديقاتها وما فعلوه من اجل ايجادها.
اخبرها عن الصداقة التي ربتطه برضوان واياد وسيف.
اخبرها عن والدها وكم يحبها وكم كان يشتاقها وكيف كان حزينا لأجلها وكم عاني معهم لأجل ايجادها..
اخبرها كم شعر بالرعب حينما اخبروه عن  إختفائها..
ظل يثرثر حتي قاطعه صوت ملاك الذي غمره البكاء تأثرا ...
:- دكتور طارق...
اجفل في  مكانه ورأسه تدور تلقائيا باحثا عن صاحبة الصوت الأجش الذي اتي من احد زوايا الغرفة القريب من الباب لتقابله عينين زرقاوتان مبللتين بالدموع يسكنهما التأثر....
رفرف بأهدافه كأنه يفيق من حلم عميق كيف لم يشعر بدخولها الي الغرفة...
ويبدو انها دخلت منذ وقت ليس بالقصير...
عاد بعينيه الي وردته الغالية التي كانت عينيها مغمضتين  وقد لاح الاسترخاء علي ملامحها كأنها غرقت في سبات عميق....
اعتدل بحرج يحاول الوقوف علي قدميه وكفه لا زالت تمسك كفها كأنه يخشي تركها لكن لا مفر...
فك يده عن يدها لكن يدها لم تترك يده كانت تتمسك بكفه بلطف..
خفق قلبه بعنف داخل صدره وهو ينظر اليها بخليط من الدهشة والفرح والكثير من الحب...
تنهد بعمق وهو ينظر اليها لا يعلم هل تمسكها به بشرة خير لعودتها لوعيها ام انه تصرف لا ارادي منها بينما هي في عالم الاحلام....
قاطعت ملاك حيرته لتخبره بتأثر وقد ظهرت رقتها في كل حرف تنطقه...
:- هي من ساعة ما فاقت وهي مبتنمش بشكل طبيعي دا اول مرة تنام بعمق بالشكل دا...
غمره الاحراج وكلماتها تظهر امتنانا له لشيء لم يفعله فكيف يخبرها بما لا يفهمه انه لا زال مشوشا...
عقله يدور ويدور بألف سؤال...
هز رأسه بلا معني ثم اجلي حلقه عدة مرات وهو لا يجد شيء يقوله ولا يطاوعه جسده علي الرحيل....
ضغط علي كف ورود للمرة الأخيرة ثم ابعد كفها الرقيق عن كفه وابتعد اخيرا تاركا قلبه يحرسها في نومها وافكاره تطوف حولها....
ولا يعلم ان صوته لازال يتردد بنغمات عميقة بعيدة كصدي صوت في واد سحيق داخل رأسها...
صوته كان كأمر لكل خلاياها ان تتوقف عن العمل وتستسلم لغيبوبة حلوة ناعمة كالغيوم....

كل الدروب تؤدي اليكحيث تعيش القصص. اكتشف الآن