قبل عدة ساعات كانت هديل تدخل فيلا عائلة مختار كفها يحتضن كف زوجها تطلب دعمه..
مهما مرت السنوات ستظل اثقل مهمة تقوم بها هي مواجهة والدة شريف وشقيقته اللتان لم تحبانها ابدت ولم تحاولا حتي اخفاء هذا...
لقد وضع لهما شريف حدودا في التعامل معها منذ سنوات فلم يعد التجريح العلني لها مسموحا ولكن الكره لازال يصيبها كسهام جارحه لكنها تحاول قدر الامكان تجاهل هذا...
لأجل شريف الذي يحب عائلته رغم كل شيء...
دخلت معه تلقي التحية برقي وابتسامة واسعة اجادت اصطناعها....
: صباح الخير .
تأفأفت والدة شريف ما ان رأت هديل ثم تجاهلت تحيتها تمتما لتتجه الي ابنها ترحب به وتضمه اليها محاولة فك تشابك يده من يد زوجته...
: حبيبي ازيك عامل ايه .
ابتعد شريف عن زوجته ضاما امه مقبلا رأسها المزين بشعرها الأنيق القصير ابيض اللون...
: الحمد لله يا امي طمنيني علي صحتك...
انشغل شريف في الحديث مع والدته لتجلس هديل بعيدا بجوار اخيها عصام تبادلت معه الاخبار والتحيات ثم سألت باشتياق...
: هو حارس لسه مجاش وحشني اوي .
نظر عصام الي ساعة يدخ ثم اجابها بهدوءه المعتاد....
: قال علي وصول وصل امبارح تعبان اوي من السفر وقال هيستريح ويجي علي الغدا .
: يوصل بسلامه يا رب .
أتاها صوته القوي بنبرته الرجولية الخشنة التي اكتسبها من عمله بالجيش : حبيبة قلبي يا هدهد ...
وقفت هديل بقامتها القصيرة ليضمها اليه مشاكسا ...
:- لسه قصيرة زي ما انتي يا هدهد مش هتتجوزيني بقي....
ابعده شريف عنها قائلا بحزم.....
: لا دي بتعتي انا روح دور علي واحدة تانية .
تصنع جارس العبوس قائلا...
: فينا من كدا يا خالي ماشي....... افتكرها.
القي السلام عليهم جميعا وقبل رأس جدته التي تعشقه فهو اول احفادها وابن ابنتها الغالية .
جلس حارس يتسامر معهم عن رحلته فتره طويلة حتي اتي موعد الغداء لتهتف الجدة بغضب تحادث شريف .....
: فين بنتك يا شريف ينفع التأخير ده ابن اختك جاي من السفر و تعبان و اكيد جعان ينفع تأخيرها ده و لا يكونش مش عاوزه تسلم علي ابن عمتها .
ابتسم حارس ملاطفا جدته..
:- يا دودو انا جاي من امبارح وفطرت فعلا قبل ما اجي عادي ممكن نستني شوية مفيش مشكلة....
قال شريف معتذرا.....
: معلش يا امي بس هي كانت مع اصحابها ويمكن مخدتش بالها من الوقت .
: والله بنتك دي مهي نافعه و الله يا شريف لو مجات في اقل من .....
لم تكمل كلامها العصبي حيث قاطعها صوت الراكضة الأتية في اتجاههم وهي ترفع يدها صارخة بمرح شبيه بوالدتها.....
: جيت والله جيت........اسفة جدا بجد...
كانت تلهث بقوه من الركض كان شعرها الطويل يطير خلفها بسحر يسرق الأنظار.......
وهي تركض و بعض الخصلات التصقت بجبينها ووجنتها بفعل العرق لتجعل من وجهها المشع باحمرار فتنه يصعب علي اي كان تجاهلها........ كانت ترتدي سروال ازرق مثني من الأسفل بلون ازرق فاتح وقميص بحمالات عريضة بالون الوردي الفاتح وحذاء مرن مسطح كالذي ترتديه لاعبات الباليه بلون ذهبي مميز و ترتدي حقيبة كتف بالون الذهبي .
اقتربت تلقي السلام علي الجميع ثم قالت بفرح معانقة جميلة شقيقة حارس التوءم....
: جوجوووووو قلبي ...... ماي هارت وحشاني موووت .
ضحكت جميلة بلطف لقد كانت تحب ملاك من قلبها......
: و انتي اكتر يا حبيبتي بس انا زعلانه منك يا لوكه مش عارفه تيجي تزوريني .
تصنعت ملاك المسكنة وهي تقول بعبوس مصطنع...
: اه اجي ازورك عشان تسيبيلي التوءم الغلس بتاعك و تتدخلي تنامي والحجه اصلي تعبانه مووووت يا لوكه .
: بقي ولادي غلسين يا ملوك .
ضحكت ملاك بلطف وهي تقول بمشاكسة...
: اغلس عيال شوفتهم في حياتي يعني جيبالي توءم ولاد مش عارفه تجيبي بنات .....هما اصلا احلا حاجه فيهم اسمهم أدم وآدهم .
قالت جميلة بخبث بينما تلكز كتف ملاك...
: سيبينلك انتي البنات تجبيهم اهو نجوزهم من بعض و لا البرنس بتاعك لسه مش جاهز .
احمرت وجنتي ملاك بشده بفعل الخجل نادمة انها حكت لجميلة عن ذلك العريس الذي يدور حولها محاولا خطب ودها بل انها تجرئت وكذبت بأنها تفكر في الموافقة وبالطبع لم تفعل ذلك ليعلم حارس ابدا ......
التفتت بعينيها الي حارس الذي حاولت تجاهله منذ دخلت كان ينظر باتجاهها
بنظرات حادة لا تخلو من الصدمة لم يلاحظها غير جميلة التي ابتسمت بخبث...
رجف قلبها متخليا عن دقاته التي تواثبت داخل صدرها....
عليها ألا تتأثر...
لن تشعر بالاشتياق لنظراته ولن تسعدها صدمته ولن تتمني لو...
لو ماذا....
لو لم يفترقا....
لو لم تشعرها عيناه انها خائنة كأن له الحق...
ابعدت عينيها عنه بشجاعة وتجاهلت الرد علي جميلة بينما تتجه الي عمتها وخالها تلقي عليهما التحية ليعاجلها خالها قائلا بعتاب....
:- انا زعلان منك جدا... انت وعدتيني بحفلة اجمل من حفلة شريف وخلفتي بوعدك....
ضحكت بلطف...
:- يا حبيبي دا انا اعملك احلي حفلة وبعدين والله ماما الي نظمت حفلة بابا مش انا انا بس عملت الاغنية.... بس اوعدك هنتفوق علي حفلة ماما المرة الجاية.... اتفقنا....
:- سيب البنت في حالها يا عصام دي عملالك حفلة محصلتش اخر مرة...
: حبيبتي يا دودي محدش واقف جنبي غيرك.. .ضحكت عمتها تشاكسها بحب...
: دودي ايه يا بت دا انا عمتك احترميني شوية و اعقلي بقي دا انتي بقيتي عروسه علي وش جواز.
: يوه هو انتو مسكنها سيره.
: يعيني علي الكسوف يا خواتي وربنا قمر يا لوكه .
: خالوووو.
ذهبت و القت السلام علي جدتها واعتذرت لهم علي التأخير برقة وقد اختفت مرحها فجدتها تعاملها بجفاء......
: و الله مكنش قصدي اتأخر يا تيته بس كان فيه مشكله عند البنات وكنا بنحاول نلاقيلها حل .
تأففت الجدة بضيق ثم اشاحت بيدها....
: خلاص... خلاص مفيش مشكله.....
تحدثت نادين شقيقة حارس وجميلة الصغيرة والتي لم تكن بوما علي وفاق معها...
: ايه يا ملاك سلمتي علي الكل الا انا وحارس ايه مش هتسلمي علينا ولا ايه .
تصنعت ملاك ابتسامة صفراء ثم سلمت علي نادين تقبل وجنتها قبلات طائرة....
: ازيك يا قلبي و حتي انتي وحشتني مووووت (اكملت في داخلها ) ربنا يسمحني بقي علي الكدب دا انا لو هتوحشني نانا انتي مش هتوحشيني يا عقربة .
ابتعدت عن نادين ثم التفتت الي حارس مرة اخري وعاد قلبها ينبض بألم وعينيها تخونها متأملة محياه.....
" لأقعدن علي الطريق واشتكي
وأقول مظلوم وانت ظلمتني
"
ابتلعت غصة استحكمت حلقها وعينيها تعاتب عينيه بلا ارادة منها...
عليها ان تستجمع شجاعتها...
عليها المرور فوق اطلال الفراق فما كان لن يعود ابدا...
لقد كانت تمنع نفسها عن البكاء قصرا...
عن الشكوى..
لما علقت قلبي بحبائل هواك وانت لا تريد غراما..
تنفست بعمق ثم تصنعت ابتسامة لطيفه وتقدم تمد يدها بسلام حاولت صبغه بالبرود....
حتي لو لم تستطع نسيانه بعد..
حتي لو لازال قلبها مفتتا ينزف من جرح سببه لها....
لن يعلم ستجعله يثق تمام الثقة انها نسيته....
انه لم يعد سوي ماض لا تريد استرجاعه....
: حمد لله علي سلامتك... طمني عليك...
التقت كفها الصغيرة الناعمة بكفه الخشنة وقد خذلها صوتها في اخر جملة فلم يكن قويا باردا بل محملا بالمشاعر ببحة لم تميزها سوي اذني والدتها التي دعمتها بنظرة..
بينما هو كان ينظر الي عمق عينيها الزرقاء التي تشبه عيني والدتها...
كم اشتاق لنظرتها الدافئة كماء البحر في صيف حار....
كم اشتاق لصوتها المبحوح حين تحدثه....
هل عليه ان يجيب علي ما قالته...
هل عليه اخبارها انه عاد الي وطنه اليوم فقط...
بل الأن فقط....
هل عليه ان يقول انه لم ولن يكون بخير...
هل عليه ان يخبرها انه خائف من تلك الكلمات التي تناثرت عن حبيب او زوج محتمل...
هل....
ابتلع غصة مماثلة لغصتها ثم قال بخشونة متصنعا الهدوء...
:- بخير الحمد لله انتي اخبارك ايه.... كبرتي...
ابتسمت بسخرية بينما تنزع كفها من يده قائلة بثقة...
:- انا كبيرة فعلا من قبل ما تسافر انت مغبتش غير سنة يا حارس....
كانت كلماتهما غامضة لا يفهمها سواهما...
تلك النظرات العاتبة والخفقات الهاربة هما فقط من يعرفا معناها...
هما فقط من يتعذبا علي اطلالها.....
ابتعدت عنه متجهة الي والدها تجاوره مختبئة عن العالم كما كانت تفعل دوما منذ صغرها...
تصنعت الابتسامة وشاركت في حديث مع خالها وفي كل مرة ترفع نظرها باتجاهه تتلاقي اعينهم في حديث صامت تقطعه في كل مرة قبل ان يبدأ فليس بينهما صمت ولا كلام .....
رن هاتف ملاك مقاطعا حديثها مع والدها وخالها .......
لقد كانت معتادة علي وضع نغمة مميزة لكل شخص مميز في حياتها وهذه النغمة من اكثر النغمات المميزة لمعت عينيها وكلمات الأغنية تتسلل اليها...
عزيز وغالي إنت، يا نور عيني
يا اللي نلقاك في الشدة والبعد قريب ليّ
عزيز وغالي إنت، يا نور عيني
يا اللي في البال وعارفك ديمة حنين عليّ
ابتسمت وهي تخرج هاتفها من حقيبتها تتأكد من الاسم والرقم الدولي ثم استأذنت الجميع لترد سريعا بينما تتجه الي الشرفة لتتحدث براحة ولكن جملتها السعيدة وصلت الي اذنيه واضحة قاتلة مدمرة لخلايا قلبه الذي انتفض داخل صدره كذبيحة تودع روحها الحياه ....
: حبيبي وحشتني .
"كنت المحارب الذي لا يخسر..
كنت الذي تدنوا انتصاراتي مني بلا تعب..
فكنت اول معركة اخسرها...
اول وطن يحتل...
كنت قوتي وضعفي...
كنت الالم الذي علمني اني ما تعلمت الصبر"
أنت تقرأ
كل الدروب تؤدي اليك
Romance"مكتملة" واطاعت امر عينيه تركض اليه تلقي بنفسها بين احضانه.. تحتضنه بكل ما اوتيت من قوة تستنشق رائحته العطرة كأنها تختزنه داخلها وصوته يصلها دافئا حنونا شجي... :- انا المبتلى بالبعد يا غالية... وما تهوي نفسي غير القرب... ولكن الحياة لا تعطي للف...