الفصل التاسع عشر: الرحمة الواسعة.

1.3K 56 0
                                    

مشت توليب طوال الطريق في صمت، وهي تردد في عقلها كلمات جمال..

توليب - (لنفسها): "منكِ لله يا حنان، بسببكِ أصبحت مهزلة أمام الجميع. قلتِ إن أخاكِ طلب واحدة ليست جميلة لكي يتزوجها، واعتقدتِ أنكِ كذبتِ عليه بشأن أنني لست جميلة حتى يقبل بالزواج مني، ولم تصارحيني بأنكِ فضحتِ كل عيوبي له!"

مشت بضع خطوات أخرى وفكرت مجددًا...

توليب (لنفسها): "وأخوكِ قد قرر بالفعل أن يطلقني بعدما علمت زوجته بزواجه ولم يعد لي أي قيمة. الآن شعرت حقًا بمعنى غياب الأب، لأنكم لم تكونوا لتجرؤوا على معاملتي كلعبة بين أيديكم لو كان لا يزال على قيد الحياة. لقد أخطأت عندما وافقت على الزواج من أخيكِ. كنت أظن أنني سأتمكن من التقرب منه، وحتى إن فشلت، سأكون راضية بارتباط اسمي باسمه لبقية حياتي!"

احترمت زهرة صمت توليب، لأنه كان من الصعب التحدث معها أثناء سيرهما في الطريق أمام الناس. وبعد ربع ساعة، وصلتا إلى المنزل. فتحت زهرة الباب ودخلت مع توليب.

التفتت توليب إلى زهرة وتحدثت بعصبية:

توليب: اسمعي، ابتداءً من الغد، لن أذهب للسيد جمال. لذا، من فضلكِ، أخبريه أن يبحث عن ممرضة أخرى لأنني سأعود إلى القاهرة!

زهرة: ليس هذا هو الوقت المناسب لهذا الحديث. أولاً، اذهبي إلى الحمام واغسلي نفسكِ، وانسي كل ما سمعتِه منه!

دخلت توليب في نوبة من الضحك.

توليب: هاهاهاها، أنسى ماذا؟ أنسى أنني لا أرى سوى بعين واحدة؟ أم أنسى رجلي التي أفقدني إياها طبيب غير مبالٍ بعمله؟ أم أنسى أنني قبيحة كما تقولون عني؟!

زهرة: أنتِ جميلة مثل القمر، وهذا واضح للجميع!

هزت توليب رأسها بعدم تصديق.

زهرة: أنتِ تعلمين أن حنان قالت ذلك فقط لإقناع عبد الحميد بالزواج منكِ!

انفجرت توليب في البكاء وألقت بنفسها على أقرب كرسي.

توليب: نعم، وأهم شيء أنها فضحت كل عيوبي له وقالت له الحقيقة كاملة!

زهرة: يعني، هل كنتِ لا ترغبين في أن تصارحه بالحقيقة؟ هذا كان سيكون خداعًا!

توليب: الحقيقة هي أن لا أحد يقبل الزواج من امرأة تعاني من عيوب جسدية!

زهرة: هل تعتبرين ما فيكِ عيوبًا؟

توليب: نعم، إنها عيوب في مظهري وأشعر بالخجل منها كل يوم!

زهرة: لا يا توليب، أنتِ مخطئة تمامًا. ما لديكِ ليس عيوبًا، إنها قوة، لأنكِ تعيشين معها كل يوم وتتحملين المشقة التي تسببها. الله هو الذي اختار لكِ أن تعيشي هكذا، فهل يعني هذا أنه يظلمكِ؟ هل أنتِ أقل من كل البشر الذين خلقهم؟ معاذ الله. لقد اختاركِ لأن الله يحبكِ ويريد أن يكافئكِ على صبركِ في كل لحظة من حياتكِ. (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ). ماذا تريدين بعد ذلك؟ ونبينا عليه الصلاة والسلام قال: "حتى الشوكة يُشاكها المؤمن إلا كفَّر الله بها من خطاياه". إذا كان ألم الشوكة يغفر الذنوب، فأنتِ الآن بصبركِ وشكركِ لله، تتلقين حسنات، وتُكفَّر عنكِ السيئات في كل لحظة. يمكن أن تسبقينا إلى الجنة ونحن لا نزال نُحاسب كثيرًا. بالطبع علم الغيب عند الله، لكنني أتكلم عن شيء واضح. الله ليس بظالم، الله عندما يحب عبدًا يبتليه (وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ). الأنبياء هم أكثر البشر ابتلاءً، ثم الذين يلونهم في الإيمان. يعني أنتِ قريبة من الأنبياء رضوان الله عليهم. أنتِ أفضل من كل الناس الذين يعيشون بلا معاناة، لأن الصبر من أفضل وأصعب صفات المؤمن. وأنتِ تعلمين أنه لا يوجد إنسان بلا امتحان، كل إنسان لديه شيء يبتليه الله به. البعض يفقد أبنائه، والبعض يخسر ماله، والبعض يعيش في الحرب والخوف، والبعض يعاني من الفقر، وآخرون يتألمون من أمراض خطيرة أو يعيشون مع إصابات دائمة. كل شخص يكسب حسنات بقدر صبره. الله جعل الجنة مكافأة للصابرين يوم القيامة (إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ). الفوز في الآخرة هو بشارة الصابرين!"

مسحت توليب دموعها واستمتعت لكلمات زهرة بكل حواسها.

توليب: يا رب، اجعلني من هؤلاء!

زهرة: وكل شيء في الجسد لا يمكن أن نعتبره عيبًا لأنه من خلق الله، حتى إن حدث بعد الولادة. العيب نطلقه على الشخص الذي نرى منه صفات مذمومة مثل الحسد، النفاق، الطمع، والنميمة، لأنه يضر الآخرين طوال حياته. وبعض الناس لديهم عيوب لكن دون إرادتهم، مثل الكسل أو العصبية أو النسيان. هؤلاء يحتاجون إلى من يساعدهم، أو طبيب لكي يتخلصوا من تلك الصفات!

توليب: كلامكِ صحيح!

اقتربت زهرة من توليب أكثر.

زهرة: وإذا ترككِ عبد الحميد، فماذا يكون ذلك مقارنة برحمة الله؟ هو بشر لا يقدم ولا يؤخر. هو عبد مثلنا ينتظر رحمة الله. عليكِ بالصبر يا ابنتي، الصبر، وإن شاء الله سيجازيكِ الله خير الجزاء. هذه الدنيا مجرد حلم، وسيأتي اليوم الذي نفيق منه بوفاتنا (وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ). اختاري الآخرة لأنها الحياة الحقيقية!

توليب: أشعر الآن برحمة الله علينا وضعف البشر أمامه. الآن، لا يهمني أي شيء في جسدي!

زهرة: نعم، هكذا عيشي حياتكِ بحلوها ومرها. كلنا مغادرون هذه الدنيا الصعبة، وسنذهب إن شاء الله إلى السعادة الأبدية في الآخرة!

فكرت توليب قليلاً.

توليب: لكن لماذا فضحتني حنان أمامه؟ كانت تلك أسرارًا بيننا، وكل من عرفها منه بالتأكيد الآن يضحك علي!

زهرة: توليب، هل سنعود لنفس الحديث؟ بالتأكيد حنان كانت لديها أسبابها عندما صارحت عبد الحميد. لا يمكنكِ الحكم عليها قبل سماع مبرراتها. أنتِ تعرفينها منذ سنوات طويلة، هل رأيتِ منها أي سوء؟

توليب: لا أبدًا، كانت دائمًا بجانبي!

زهرة: إذن، هل يعقل أن تنسي كل الأشياء الطيبة التي رأيتها منها بسبب موقف واحد؟

توليب: لا، لا يصح!

زهرة: ثم أخبريني، كيف كان سيكون شعوركِ لو أخبرتكِ حنان وجهًا لوجه أنها أخبرت عبد الحميد بكل شيء؟ ألم يكن ذلك سيكون قلة ذوق منها؟

توليب: نعم، حنان دائمًا كانت طيبة!

ابتسمت زهرة عندما رأت ابتسامة الرضا على وجه توليب.

زهرة: الآن، اذهبي واغسلي نفسكِ لتهدئي، وصلي ركعتين لله، وادعي بقلبٍ موقن بالإجابة، وإن شاء الله ستجدين عبد الحميد يعود إليك. ثقي بالله دائمًا ولا تفقدي الأمل، وتذكري حينما تدعين، إن الله مع من؟

توليب: (إِنَّ اللَّـهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)!

زهرة - بابتسامة: صدق الله العظيم!

ابتسمت توليب بسعادة وذهبت لتغتسل.

وصلت ودعت الله من أعماق قلبها أن يجعل لها نصيبًا من الحب في قلب عبد الحميد.

ـــــــــ

نصيب الورد حيث تعيش القصص. اكتشف الآن