الفصل الثاني عشر: بين السحر الحقيقي والزيف

1.5K 63 2
                                    

بدأ الحفل وصعد عبد الحميد إلى المسرح، ممسكًا بالميكروفون من الفرقة الموسيقية، ورحب بالعروسين والضيوف بابتسامة واثقة. لم يكد يمر وقت طويل حتى دخلت إيزابيل وهي تدفع جمال على كرسيه المتحرك. كان المشهد يبدو وكأنه مألوف، لكن عبد الحميد التقط نظرة بعين مليئة بالشك والتساؤل.

اقترب عبد الحميد منهما بابتسامة متحفظة:

- "ما هذا الأناقة يا عمي! قولي لي، هل أنت العريس؟"

ضحك جمال بصوت خافت، مجيبًا:

- "هاهاها، شكراً يا بني!"

ولكن عبد الحميد لم يكن يقصد جمال فقط، إذ ما لبث أن اقترب من إيزابيل وتحدث بصوت منخفض، لكنه مليء بالحدة:

- "ألن ترحمي عمي حتى وهو في حالته هذه؟ أخرجتيه من سريره فقط لتظهري أمام الناس وكأنك تهتمين به؟"

ابتسمت إيزابيل بسخرية وغمزت قائلة:

- "رأيته نازلًا في المصعد مع أكرم فقلت أقدم له مساعدتي."

رد عبد الحميد متجهمًا:

- "مساعدتك؟ لا تلعبي عليّ بهذا الكلام. أنتِ فقط تحاولين أن تظهري للناس أنك الزوجة المخلصة، بينما نعلم جميعًا ما يجري في الواقع."

ردت إيزابيل ببرود:
- "والأهم أن يصدقوا ذلك. الآن دعني أكمل مهمتي."

غادرت إيزابيل المكان، تاركة عبد الحميد يراقبها بغضب مكبوت، قبل أن يهمس لنفسه:

- "يا رب، يكمل عمرك على هذا الحال."

بعد عشر دقائق، دخلت نرجس، ولفتت جميع الأنظار بإطلالتها الساحرة. جمالها الفاتن جعل الجميع يلتفت نحوها. رأت حنان هذا المشهد وأشارت لتوليب قائلة:

- "هذه نرجس، زوجة عبد الحميد."

اقتربت نرجس بخطى واثقة، متألقة بفستانها الفاخر ومجوهراتها التي تتلألأ تحت الأضواء. بابتسامة مغرية، خاطبت حنان بالفرنسية:

- "مساء الخير، كيف حالك يا حنان؟"

كان حديثها بالفرنسية متعمدًا، تعرف أنه يثير استياء زهراء، لكن حنان لم تقع في الفخ وردت عليها بالعربية. تجاهلت نرجس تمامًا توليب لكنها سألت:

- "ومن هذه؟"

ردت حنان بهدوء:

- "هذه ممرضة خالتي."

ضحكت نرجس ضحكة ساخرة وقالت:

- "أخيراً أراها تعاني!"

- "لا سمح الله، هي فقط تحتاج إلى من يبقى معها!"

رغم أن توليب فهمت كل ما قالته نرجس، لكنها اختارت أن تظل صامتة، محاولةً أن تبقي نفسها بعيدة عن الاهتمام. تفحصت نرجس بعينيها، ورأت بأنها تبدو مثل دمى العرض، لكنها تتحرك مثل البشر. شعرت توليب للحظة بالانكسار، تدرك أن المنافسة على قلب عبد الحميد تبدو مستحيلة. لكنها سرعان ما حاولت أن تشغل نفسها بأطفال حنان لتنسى ما يدور في قلبها.

بعد قليل، جلس عبد الحميد على نفس الطاولة مع جمال وإيزابيل، وما لبثت نرجس أن انضمت إليهم بعد أن أنهت مجاملاتها للضيوف. نظر عبد الحميد نحو نرجس بإعجاب شديد، متأملًا جمالها الساحر، حتى شعر بقلبه يكاد ينجذب إليها من جديد. لكن سرعان ما تحول انتباهه نحو مشهد آخر.

رأى نوراً جالساً على الطاولة مع أخته، تلعب مع ابنتيها وتبتسم بجمال يخطف الأنفاس. وأثناء تقديم العشاء، رأى النور تُطعمهما وعلى وجهها ابتسامة جميلة. كانت توليب، بتلك الابتسامة الهادئة والبسيطة، تشع نورًا لا يقاوم. نسي عبد الحميد وجود نرجس أمامه، وشعر وكأنه يريد أن يبعد كل شيء عن عينيه حتى يرى فقط تلك النور الهادئ.

عندما بدأ الغناء، بكى ابن حنان من إزعاج الصوت العالي. حاولت حنان تهدئته، لكن دون جدوى. اقتربت توليب منه وغنت له بهدوء متناغم مع الموسيقى، حتى بدأ يضحك، ثم يعاود البكاء كلما توقفت.

كان عبد الحميد يراقبها طوال الوقت، وقد نسي وجود الجميع حوله. انتبهت حنان لنظراته وقالت لنفسها بفرحة:

- "الخطوة الثالثة جاءت بنفسها دون أي جهد مني!"

حاولت حنان أن تستغل الموقف أكثر، فضربت على الوتر الحساس أنه وطفليه محرومون من الحنان، فقامت بحمل ابنها وأعطته لتوليب قائلة:

- "توليب، هل يمكن أن تأخذي كريم؟ لا أستطيع أن أتناول العشاء وهو في حضني."

ابتسمت توليب برقة قائلة:

- "تعال يا حبيبي."

نظر عبد الحميد إلى هذا المشهد، ورأى في توليب صورة ملاك، تغني للطفل حتى نام بسلام. ارتسمت ابتسامة خفيفة على وجهه، وهمس لنفسه:

"خالتي اختارت أجمل وأحن ممرضة رأيتها في حياتي!!"

كانت تلك الليلة بداية تحوّل في مشاعر عبد الحميد، إذ بدأ يرى في توليب شيئًا لم يره من قبل، شيئًا لا يتعلق بالمظهر بل بالجوهر.

ـــــــــ

نصيب الورد حيث تعيش القصص. اكتشف الآن