06

321 29 15
                                    

انطفأَتْ لونا يا قريتَنا البعيدة ، العيونُ الحالمةُ التّي كانَتْ شعلةَ حياتِها أُغرِقَتْ بالدّموعِ حتّى تناسَتِ اللّمعان ، قلبُها الغضُّ المُفعَمُ بالأملِ أصبحَ طريحاً غاصّاً بالجروحِ و الكسور ، ضحكتُها الفاضحةُ أضاعَتْ دروبَ إصدارِها ، و شكلُها المرحُ المُشاغبُ أضحى و في كلِّ جزءٍ منه مختلفاً ، احتلَّتْه ندوبُ الاكتئابِ و نتائجُ قلّةِ الاهتمام ، و أخيراً ، زادَه حرقُ الكفِّ بؤساً فوقَ بؤسِه ، و سلبَ صاحبتَه بأسَها و صبرَها.
انطفأتِ الفتاةُ صغيرةُ الحجمِ التّي كانَتْ و شقيقتُها الصُّغرى لولا تركضان و تطاردان كلابَ الصّيدِ في بَرِّكِ المُخضَرِّ من وراءِ ظهرِ شقيقتِهما الكُبرى لينا ، ثمَّ يعيدُهما الصّيّادُ مُحمَّلتين بكافّةِ أنواعِ الأتربةِ و الأوحال ، فتعاقبُهما أمُّهما من بعدِ ما توبّخُ شقيقتيهما لانحسارِ انتباههما.
انطفأتِ الطّفلةُ كثيرةُ الضّحكِ يا قريتَنا.. انطفأتْ لونا بشكلٍ فظيع.. انطفأَتْ يا أيُّها الجنوبُ الغالي.. انطفأَتْ يا قلبَ أُمّي الطّاهرَ الحنون.. انطفأتْ يا قلبَ أبي الدّافئ المُحِبِّ.. انطفأَتْ يا لينا المُعلِّمةُ الحلوة.. يا كارولينا المُهتمّةُ الطّيّبة.. يا لولا المُدلّلةُ المُحِبّة.. يا لونا فاقدةُ الصّفات.. انطفأنا.
لم أعد أميّزُ مكاناً للألم ، روحي تنزفُ آخرَ قطراتِها من كلِّ جزءٍ من جسدي ، من رأسي و حتّى أخمصِ قدميّ ، كلُّ شيءٍ فيَّ يؤلمُني ، و في ذاتِ الوقت ، أضحى الألمُ واحداً معي لا أشعرُ بوجودِه ، أضحى الألمُ كالهواء ، لا أدركُ أنَّه يتحرّكُ في جوفي حتّى أفكّرَ في أمرِه..
لقَدِ اعتدنا الألمَ يا لونا..

_"الحرقُ من الدّرجةِ الثّانية ، لا تخافي يا عزيزتي"

ألقيتُ نظرةً على يدي المُضمّدةِ من بعدِ ما كلَّمَتْني المُسعِفة ، ثمَّ هززتُ لها برأسي ، و عُدْتُ للغوصِ في سوادِ جوارحي.
لا أفقهُ كيفَ وصلتُ إلى هنا بعد ، كلُّ ما أذكرُه كانَ حضورَ هيسونغ المفاجئ في المطبخ ، و الآنَ لا أراه و لا أرى من معارفي أحداً ، أنا و المسعفةُ و بعضُ الممرِّضاتِ في غرفةٍ ضيّقةٍ بيضاء اللّون مملوءةٍ بأشياءَ أجهلُ حقيقتَها ، هذا جلُّ ما أفاقَني عليه لمسُهنّ ذراعي منذُ وقتٍ طويل.
كانَ يُفترَضُ بي مُذْ دخلتُ أن أستلقيَ فوقَ السّريرِ لأُحقَنَ بالمُخدِّر ، لكنَّني ما تجاوبتُ على الإطلاقِ مع العاملاتِ هنا ، و ظللتُ جالسةً فوقَه أقاومُ كلَّ أساليبهنّ لإقناعي أو تحريكي حتّى استسلمن ، و أعطينني الحقنةَ كما أريد.
طُرِقَ البابُ بعدَ لحظات ، لم أنظر إلى طارقِه ، لكنَّني شعرتُ به بعدَ لحظاتٍ يقفُ أمامِي.
رفعتُ رأسي بالتّدرُّجِ إلى وجهِ من جاءَني حديثاً ، كانَ يستغلُّ غفوةَ وعيي المؤقّتةَ بترتيبِ شعري ، و لحظةَ تلاقَتْ أعينُنا ، تبسّمَ لي وجهُه ، فأحلَّ شيئاً من سكونٍ على تخبّطاتِ نفسي المُحتضرة

_"هيسونغ"

تمتمت ، لم يستهلك اسمُه شيئاً من طاقتي ، خرّجَتْه نواطقي بسلاسةِ التّنفُّس ، و دون العودةِ إلى حكمِ عقلي في أمرِه.
جلسَ إلى قُربي و هو يتفرّسُ في شكلِ ضمادةِ يدي ، ثمَّ حملَ ذراعي الجريحةَ و وضعَها في حجرِه ، كُنْتُ أراقبُه متمسّكةً بهذا الفعلِ دون غيرِه ، فهو الوحيدُ القادرُ على إغاثتي من حملانِ ذنبِ قتلي.
ربّتَ على يدي بحذرٍ شديد ، ثمَّ رفعَها إلى وجهِه دونَ أن يحرّكَ عينيه من على وجهي ، و ببطءٍ خارقٍ لكلِّ قواعدِ آخرِ عامٍ على عقلي ، قبَّلَ مكانَ الضّمادة

نغماتٌ فتيّة~لي هيسونغحيث تعيش القصص. اكتشف الآن