زيارةُ الطّبيبِ الموعودةُ تمَّتْ و انتهَتْ خلالَ مدّةٍ قصيرةٍ إلى حدٍّ ما ، حملَ الطّبيبُ بعدها حقائبه الغريبةَ و أوزارَ القلقِ و السّوداويّةِ و غادرَ الشّقّة ، في الواقعِ هو قَدْ أثبتَ تشخيصَنا قليلَ الخبرةِ و حسب ، أعني حتميّةَ يدِ الكحولِ في إحلالِ الدّوّارِ و الغثيانِ على جسدِ من يبالغُ فيها لأوّلِ مرّة ، لم يكن حضورُه مهمّاً إلى هذا الحدّ ، حتّى أنَّه لم يصف دواءً أو غيره ، نصحَنا فقط بشربِ الشّاي بحجّةِ أنّ له القدرةَ على سلبِ الكحولِ تأثيرَها ، حسنٌ ، لا يجبُ أن أتذمّر ، فهذا أفضلُ ما قَدْ وُصِفَ كعلاجٍ لي على الإطلاق.
أعددتُ الشّاي في المطبخِ بعد ربعِ ساعةٍ من مغادرتِه ، كانَ هيسونغ منذُ لحظاتٍ يغسلُ بضعةَ فناجينَ من غبارِ الهجرِ عند الحوض ، ثمَّ سحبَتْه مكالمةٌ إلى الصّالة ، لم أرَه من بعدِ ذلك ، سمعتُه يبلغُني بأنّه لن يتأخّر ، لكنّني ما فهمتُ قصده ، يبدو أنَّه قَدْ غادرَ أيضاً ، لكنّه عائدٌ طبعاً.
خطرَ لي لوهلةٍ أن أطّلعَ على سجلِّ الإشعاراتِ في هاتفي ريثما يعودُ الغائبُ لنشربَ الشّاي معاً ، فقَدْ كانَ يرنُّ طوالَ اللّيلِ و لم أعره أيَّ اكتراث ، جلستُ إلى طاولةِ المطبخِ ، تناولتُه من جيبِ سترتي الدّاخليّ ، و شغّلتُه بسرعة ، كانتِ السّاعةُ قَدْ بلغَتِ التّاسعةَ و الرّبع ، و لوحةُ الإشعاراتِ تطلبُ النّجدة.
تسعةُ اتّصالاتٍ فائتةٌ من لولا ، خمسةٌ من والدتي ، مثلُها من كارول ، أربعٌ من لينا ، و الأكثرُ رعباً ، اثنان من أبي..
كانَ يفترضُ بي أن أتّصلَ بهم مساءَ أمسٍ كي أطمئنهم عليّ ، لكنّني غرقتُ في المشكلاتِ و نسيت.
هنالك أيضاً واحدٌ مبكّرٌ خجولٌ من هيسونغ ، و بضعةُ رسائلَ متعدّدةِ المصادر ، تجاوزتُها كلَّها بقلق ، حتّى وصلتُ إلى رسالةٍ من بنتِ خالتي العزيزةِ زوي ، لا يمكنُ أن تثقلَ عليّ كلماتُ زوي أبداً ، على العكسِ من البقيّة ، بل تبهجُني و لمجرّدِ ورودِ اسمِها فوقها.
وُثِّقَتْ أفكاري لمّا قرأتُها ، و ازدانتِ الدّنيا فعلاً في نظري ، تبلغُني هذه الرّسالةُ أنَّ صاحبتَها العزيزةَ قادمةٌ إلى هذه المدينةِ لمدّةٍ قصيرة ، و تسألُني مساعدتَها في إيجادِ مكانٍ تمكثُ فيه.
راسلتُها أسألُها موعدَ و طريقةَ قدومِها ، ثمَّ تركتُ الهاتفَ جانباً ، ذلك لأنّني سمعتُ صوتَ المفاتيحِ تصدرُ عن بابِ البيت ، هذا هيسونغ قَدْ عادَ على الأكيد ، أنا واثقةٌ و على الرَّغمِ من أنّني لا أذكرُ أنّني أعطيتُه المفاتيح.
نهضتُ عن كرسيّي ، و توجّهتُ نحو بابِ المطبخِ الواسعِ أسترقُ النّظرَ إلى الصّالة ، كانَ البابُ يتحرّكُ إلى الدّاخلِ عندئذٍ ، و في لحظةِ كشفَ لي عمّن وراءه ، انكمشَتْ بهجتي ، و تحوّلَتْ إلى تفاجؤٍ أو حتّى انذهال.
هذه دخيلةٌ لا أعرفها.. لا لحظة.. ربّما تكونُ شريكةَ سكنٍ أُخرى.. لمَ لا؟
توجّهتُ نحو الضّيفةِ ببطءٍ شديد أواري عن طريقِه رهابي ، لا أدري لو كانَتْ ضيفةً حتّى ، و عرضتُ عليها استهجاني أسلوبها ، كانَتْ شابّةً في مثلِ سنّي أو أكبر ، ترتدي ملابسَ رياضيّةً خفيفةً و تعتمرُ قبّعةً صيفيّةً متخلّفة ، بيدَ أنّها و برغمِ هذا المظهرِ العجيب ، ما تزالُ تزيدُني جمالاً بشكلٍ واضح ، بعينيها اللّوزيّتين و شعرِها الطّويلِ المصبوغِ بالأحمر ، بقامتِها الممشوقةِ و جسدِها الرّياضيّ ، تبدو أفضلَ منّي ، تتجاوزُني بمراحلَ و مراحل ، و ربّما ، شكلُها مألوفٌ أيضاً ، رأيتُها و لا أذكرُ أين
أنت تقرأ
نغماتٌ فتيّة~لي هيسونغ
Fanfictionأستطيعُ التّعرُّفَ إلى نغماتِ الحنانِ في صوتِكِ ، أو لنَقُل ، صوتُكِ هذا بحدِّ ذاتِه بعثَ في قلبِي إحساساً ما.. إحساساً بخيرٍ قادم و لذا جئتُكِ ، مفعماً بمشاعر تغلغلَتْ في جذورِ نغماتِكِ ، و أنبتتْها نضرةً حلوة ، مثلكِ تماماً تقولُ هذا و كأنَّ صوتِي...