36

127 18 4
                                    

قطعتُ برفقةِ هيسونغ مسافةً لا بأسَ بها بين الأشجارِ كثيفةِ الأوراقِ عشوائيّةِ الاصطفاف ، و لم أعرف بعدُ إلى أين يقودُني ؛ رياحُ الشّمالِ هادئةٌ و باردة ، و شمسُ الصّباحِ جعلَتْ تغدقُ روحي بدفءٍ ضاعفَ دفءَ المثولِ إلى قربِ حبيبي العاطفيّ هذا ، فلم أشعر بأيِّ برد ، جسدي دافئٌ دافئ ، هذه أوّلُ مرّةٍ أُحِسُّ فيها بكلِّ هذا الدّفء ، دفءٌ لا حرّ ، دفءٌ روحيٌّ يجعلُني مرتاحةً جدّاً ، و ربّما سعيدة..
أقلتُ كلمةَ دفء كثيراً؟
لا يُهِمّ ، فأنا لا أدركُ فعلاً ما أقول ، أنا فقط أتأمّلُ غرقَ أصابعي في قلبِ كفِّه الكبيرِ و اطمئنانها فيه ، و كأنّه منزلُها لا غيرُه..
ما بي أستحيلُ عاطفيّةً جدّاً أنا الأُخرى؟

_"هيسونغ.."

_"تعبتِ؟"

_"لا"

توقّفَ عن السّيرِ عندَ هذه الإجابة ، و التفتَ نحوي بغرضِ معرفةِ ما يدورُ في رأسي ، لا أعرفُ بصراحةٍ ما يفعل ، لا أعرفُ لماذا ناديتُه و لا لماذا رغبتُ في استيقافِه ، لا أعرفُ ما أقولُ له سوى أنّني..

_"أُحِبُّك"

غابَ المرحُ الكائنُ في ملامحِه ، و حلَّ في محلِّه سكونٌ عجيب ، سكونٌ يشبهُ لحظةَ نوقفُ فيلماً ما عندَ اللّحظةِ الحاسمةِ كي نركّزَ فيه ، كنتُ مركّزةً جدّاً ، أراقبُ كلَّ ما فيه من أعلى رأسِه إلى أخمصِ قدميه ، و أمّا هو ، فشاردٌ و ساهم ، كما لو أنّني اعترفتُ له بفعلةٍ خطيرةٍ أو ما شاكلَ ذلك..
تحمحمَ بصوتٍ خافتٍ و أخفضَ عينيه ، كانَ انتباهي يتناقلُ في تلك اللّحظةِ ما بين الطّيورِ الجائلةِ فوقَ رأسِه بكثير ، و ما بين عينيه اللّتين تكنّان سرّاً ما ، كلاهما غريبان ، كلاهما

_"ما بكَ هيسونغ؟"

رفعَ نظرَه لجزءٍ من الثّانيةِ ثمَّ أشاحَ به بعيداً ، بعيداً جدّاً ، لم أستطع قراءةَ شيءٍ على الإطلاقِ في حركاته ، اللّهمّ إلّا كونه يخفي الكثير..
تحمحمَ مجدّداً ، و بدا أنَّه يسخّنُ صوتَه ، ثمَّ نقلَ إحدى ساقيه إلى أمامي على نحوٍ غيرِ قابلٍ للتّفسير ، و حدّقَ في وجهي مباشرةً ، ثمَّ قال:

_"في عرضِ الأحراجِ المحيطةِ بالمدينة ، السّيّاراتُ وحدها من تمرُّ من هنا و هي قليلةٌ و لن يحسَّ بنا من فيها ، و أنتِ إلى جانبِ صاحبِ أسوأ سمعةٍ في البلادِ ربّما ، مجرّدةٌ من أيّ سلاحٍ كان ، و لو أرادَ أذيّتَكِ لن تستطيعي فعلَ شيءٍ أبداً أبداً"

قرّبَ ساقَه الأخرى من موطئي على نحوٍ دراميٍّ في وقتِ كانَ يقصُّ عليّ قصّةَ الأطفالِ المُخيفةَ تلك ، لم أخف و لم أتراجع أبداً ، ظللتُ أنظرُ في عينيه ، هاتان العينان لا تكذبان أبداً و لو أرادَ حضرتُه أن يختلقَ أحاديثَ وهميّةً كما يفعلُ الآن ، عيناه تظهران كم أنَّه لا علاقةَ له بما يقول أو بما يُقالُ عنه ، ألم يؤكّد أبي هذه الفرضيّة؟

نغماتٌ فتيّة~لي هيسونغحيث تعيش القصص. اكتشف الآن