16

218 22 70
                                    

_"بأيّةِ لغةٍ هذه؟"

رفعتُ صوتِي قليلاً لكي يسمعَني هيسونغ في المطبخ ، كُنّا نجلسُ في غرفةِ البيانِ عندَه في الشّقّةِ منذُ وقتٍ نحفظُ الأغنيةَ التّي تذكّرَها مُؤخّراً ، تحملُ ذاتَ اسمِ الأغنيةِ التّي غنّيتُها له تقريباً ، غَيْرَ أنَّني وجدتُ لكلماتِها و أجوائها أسلوباً آخرَ أكثرَ شاعريّة ، أؤمنُ بهذا تمامَ الإيمانِ حتّى و هيسونغ لم يسمعني الأصليّةَ بكاملِ ألحانها بعد ، بل غنّاها هو من الأوراقِ و عزفَ ألحانَها على البيان ، أخطأ فيها كثيراً و استقطعَها أكثر ، لكنَّها ما تزالُ حلوةً جدّاً ، حلوةً بشكلٍ مُثمِل.
لم يخبرني بعد لماذا لم يسمعني الأغنيةَ و مع أنَّها موجودةٌ في هاتفه ، و لم أسأله ، فقَدِ انشغلَ لُبّي بتتبّعِ حركاتِه و نغماتِ صوتِه ، كما لو كانَ حدثاً مُميّزاً في حياتي لن يكرّرَه الزّمانُ أبداً ، هو ليسَ كذلك لو أردتُ التزامَ الدّقّة ، هو حياتي بحدِّ ذاتها ، بحلوِها النّابضِ في ذاكرتي فقط ، و أمّا مُرُّه فأحلى عندي من العسلِ على خلافِ مُرِّ حياتي ، حتّى لو شبّهَه هو بالعلقم ، لن أجدَه مزعجاً أبداً

_"هل قلتِ شيئاً؟"

ظهرَ أمامَ البابِ فجأةً حائراً في حملِ إبريقِ عصيرِ برتقالٍ و كأسين ، فهرعتُ أساعدُه قبلَ أن كدتُ أبرّرُ أمام عقلي هذه الحركة.
سألَني عمّا قُلتُ من بعدِ ما غفلتُ عنه ، حسبتُه يسألُ عن الاعتباراتِ التّي كُنْتُ أناقشُ ذاتي فيها ، ثمَّ استعدتُ تركيزي ، هو يسألُ عن الكلامِ المسموعِ طبعاً

_"سألتُكَ عن لغةِ الأغنية"

_"الأغنيةُ باللّغةِ الكوريّة"

أوصلنا العصيرَ إلى الطّاولةِ الموضوعةِ في وسطِ الغرفةِ و عدنا نجلسُ بين الأوراقِ و الكتابات ، أدركتُ في هذه اللّحظةِ أنَّ معلوماتي اللّغويّةَ سيّئةٌ إلى حدٍّ كبيرٍ و تحتاجُ إعادةَ تهيئة ، فقَدْ وضعْتُ تكهّناتٍ كثيرةً متعلّقةً باللّغةِ مُذْ عرضَها عليَّ لأوّلِ مرّةٍ في المستشفى ، لم تكنِ الكوريّةُ من بينها

_"لفظُها صعب!"

ضحكَ في إثرِ تذمّري ، ثمَّ شرعَ يكتبُ لفظَ الكلماتِ من جديدٍ بطريقةٍ أكثرَ سلاسة ، علّي أحفظُها و أستطيعُ نطقَها بطريقةٍ سليمة.
'سالميوشي.. نونُل..'
لا يزالُ صعباً! كيف يفترضُ بي قراءةُ هذا بسرعة!؟

_"في البدايةِ هي صعبة ، لكنَّكِ ستعتادين عليها بمرورِ الوقتِ و مع الممارسة"

_"لا أظنُّني سأنجح ، أتعلّمُ اللّغةَ الفرنسيّةَ منذُ أربعةِ أعوامٍ و لا أزالُ سيّئةً في لفظِها"

_"هذه مختلفة ، فهي لغةُ حبيبكِ الأُمّ"

ازدادَ وجهي بشاشةً في إثرِ كلامِه ، لو أنَّني أتقنُ الوصفَ بدقّةٍ لشرحتُ كيفَ يبدو وجهُه و هو يتكلّم ، لوصفتُ كيفَ بدا يرمي القسمَ الأخيرَ من الجملةِ كي يصيدَ ردَّ فعلي ، و كيفَ يسترقُ إليَّ النّظرَ و يدّعي الانشغالَ بالكتابة ، و كيف يحاولُ إخفاءَ ابتسامتِه عن تأمّلي بنفخِ خدّيه الظّريفين ، فتزيدُني حلاوةُ شكلِه رغبةً في التّأمّلِ و دون أن ينتبهَ صاحبُها.
كُنْتُ أندهُ عليه باسمِ حبيبي طوالَ الوقتِ بلا أدنى اعتبارٍ للخجل ، بَيْدَ أنَّني الآنَ و ما إن سمعتُها تُلفَظُ بلسانه و على هذه اللّهجةِ المعسولةِ باتَتْ لا تُقاوَم ، و بتُّ أنا أفكّرُ في رؤيتِه لي ، هل أستحقُّ كلَّ هذا حقّاً؟

نغماتٌ فتيّة~لي هيسونغحيث تعيش القصص. اكتشف الآن