18

197 23 93
                                    

أُحِسُّ فجأةً أنَّ الوقتَ لا يمضي ، كُنْتُ في سالفِ الوقتُ أراه يمرُّ سريعاً من حولي و أنا واقفةٌ أراقبُه ، لا طاقةَ لي كي أتحرّكَ أو أفكّر ، كلُّ شيءٍ حولي أسودُ و مقرف ، و ربّما خانقٌ أيضاً لكنَّ أحاسيسي كانَتْ قَدْ تثلّجَتْ ، أمّا اليوم ، و بعدَ فترةٍ من تعرُّفي إلى صاحبِ النّغماتِ هذا ، باتَ يتلوّنُ بالورديِّ و الأخضرِ و كافّةِ الألوانِ و الأشكال ، باتَتِ الأحاسيسُ تتسلّلُ إلى لبّي على متنوّعِها ، و تغرقُه بمحبّةِ الحياة ، ليسَ و كأنَّه قَدْ غفلَ عنها فيما سبق.
قرّرتُ و هيسونغ استعجالَ موعدِنا الأوّل ، بأشكالِنا الحاليّةِ هذه ، و بغضِّ النّظرِ عن كلِّ التّفاصيلِ عدا مكوثِنا معاً ، سنكونُ سعيدين على الأكيد ، أؤمنُ بهذا.
تبسّمنا لبعضِنا عندَ بابِ الشّقّة ، ثمَّ سبقتُه إلى الخارجِ كي يوصدَه ، و ألقيتُ نظرةً من بابِ السّطحِ إلى شكلِ الأجواء ، يبدو أنَّها ستمطر ليكملَ السّعد ، حتّى و أنا أخافُ أن يصدفَ المطرُ حدثاً مهمّاً ما ، فدائماً ما خرّبَه

_"ستمطر"

رنَّ صوتُه في داخلي فجأةً ، فهمهمتُ له و أنا أجهّزُ ابتسامتي لمقابلته ، ستمطرُ حقّاً ، و سيكونُ الجوُّ مثاليّاً كما في الأفلام و القصصِ ، لا كما صدفَ في حياتي قبلاً ، أليس كذلك؟
و في لحظةِ التفتُّ إليه ، أُضيفَ رنينُ هاتفِه الجوّالِ إلى الأصواتِ في رأسي ، و أُضيفَتْ صورتُه المتضجّرةُ من المتدخّلِ بيننا إلى عقلي ، و عادَتْ تضحكُني كما فعلَتْ في يومي الأوّلِ ها هنا.
انتزعَ هاتفَه من جيبِه و عاينَ شاشته لدقيقةٍ واحدة ، و إذ به يرتبكُ و يشدُّ على ملامحِه ، ثمَّ ينقلُ بصرَه إلى وجهي بدلاً منه ، و كأنَّ فيه سرّاً مُزعِجاً متعلّقاً بي

_"ما خطبُكَ هيسونغ؟ هل أنتَ بخير؟"

_"هذه ماريّا"

غضضتُ نظري عنه و هززتُ له برأسي كي يزيحَ همّي من فكرِه ، أودُّ لو يطوي ما حدثَ ليس و كأنَّه كان ، فإمّا يجيبُها أو ينهي المكالمةَ ، أي أن يتصرّفَ بموجبِ ما يملي عليه عقله دون الرّجوعِ لرأيي.
لن أكذبَ عليه أبداً و أقولَ أنَّني لم أنزعج ، فقَدِ انزعجتُ كثيراً لأنَّها ما تزالُ تلاحقُه حتّى من بعدِ ما أبدى لها تجاهله ، لكنَّ تصرُّفَه المُراعي و صدقَه معي يحولان دون أن أستطيعَ التّعبيرَ عن انزعاجي هذا ، لذلك سأسكتُ و سأتركُه يتصرّفُ كما رأى ، أثقُ به

_"ماذا تريدُ هذه الآن؟"

تساءلَ متذمّراً في أثناءِ كانَ يستقبلُ الاتّصالَ و يرفعُ الجوّالَ نحو أذنِه ، حسبتُه قَدْ أجابَها ، بَيدَ أنَّه و بتركِ فاصلٍ ساكنٍ أوضحَ أنَّه لم يفعل.
حدّقَ قليلاً في وجهي ، ثمَّ و بغتةً غيّرَ من أساليبِه ، فأنزلَ الجهازَ و فعّلَ مُكَبِّرَ الصَّوتِ كي يسمعني ما تقول ، لماذا يريدُ أن أفعل؟ من قالَ أنَّني أشكُّ في نواياه مثلاً؟

نغماتٌ فتيّة~لي هيسونغحيث تعيش القصص. اكتشف الآن