29

144 18 15
                                    

وصلْنا البيتَ بعدَما تبضّعنا في محالِّ القريةِ البسيطة ، اشترَتْ كارول لها و لنا ملابسَ متشابهةً ذاتَ أشكالٍ ظريفة ، و اشترَتْ فستاناً إضافيّاً للمدلّلةِ لولا بالإضافةِ إلى غزلِ البنات ، كارول تحملُ مبلغاً كبيراً كفاها كي تفعلَ كلَّ هذا و زادَ في حوزتِها القليلُ أيضاً ، أمرٌ مُرهِب.
طرقَتْ كارول البابَ على عجلةٍ و لولا ما تزالُ تسترقُ النّظرَ من النّوافذ ، كنتُ أنا أقفُ بين الفتاتين أراقبُ الطّريقَ و المارّين فيه لذلك لم أستطع إيقافَها ؛ في الواقعِ أنا و لولا الآن نبالغُ في قياسِ الأمور ، لكنّنا لا نستطيعُ ردعَ أنفسِنا عن هذه المبالغة ، فأنا شديدةُ القلقِ و الآنسةُ الصّغيرةُ شديدةُ الحماسِ بالفطرة ، لم نرد أن تفوتَنا معلومةٌ أو أن تفاجئنا حادثةٌ ما في خضمِّ كلِّ هذا الهدوءِ المُحيط ، لم نعتدِ الهدوءَ في حياتِنا إلّا قبل العواصف ، حقيقةٌ لا تؤمنُ بها العزيزةُ كارول كمثلِ ما نفعلُ نحن.
و في لحظةٍ ما ، استدارَتْ لولا و هي تومئ بانفعالٍ مُفرِط ، و فُتِحَ البابُ عندَ كارول قبلما رمشتُ و حلّلتُ ما يحدث ، لم أعرف على من أركّزُ في البدايةِ بفضلِ سهوي ، ثمَّ وجدتُني و لولا نتوجّهُ نحو البابِ بفمٍ مُطبَق ، فلينا من كانَتْ خلفه في هذه المرّة ، و لو تأخّرنا عليها ستوبّخنا ، ستوبّخنا الآن على أيّةِ حال ، فهذه هوايتُها.
هيّا ، قولي لنا يا عديماتِ المسؤوليّة! كم اشتقتُ لهذا النّعت!

_"تأخّرتنّ ، هيّا ادخلن بسرعة"

خاطبتنا بلهجةٍ بسيطةٍ ثمَّ دخلَتْ على استعجال ، و تركتنا نحدّقُ في بعضِنا البعضِ ببلاهة ؛ ما الذّي حدثَ الآن؟ هل فوّتَتْ لينا فرصةَ تأنيبِنا فعلاً؟
دخلنا بهدوءٍ شديدٍ و بغيرِ أن ندعَ تعابيرَ الصّدمةِ خارجاً ، فقَدْ تضاعفَتْ هذه الصّدمةُ آنَما سمعنا المُحادثاتِ و الضّحكاتِ تتصدّرُ عن صالةِ الاستقبالِ في بيتِنا ، يبدو أنَّهم هنا.. هم هنا..
جمعَتْ كارول أكياسَ المُشترياتِ بسرعةٍ و توجّهَتْ بها نحو غرفتِنا ، في حينِ اقتربَتْ لولا من بابِ غرفةِ الاستقبالِ تراقبُ من في الدّاخل ، و تبعتُها أنا بعدَ بضعةِ لحظات.
وقعَ نظري أوّلاً على أبي ، بدا لي كحلمٍ مُتحقّقٍ و هو يجلسُ بكاملِ هيبتِه بين النّاس ، بقامتِه المتوسّطةِ و جسدِه المُمتلئ ، بشاربِه البنيِّ الأشقرِ و لحيتِه حسنةِ التّصفيف ، و شعرِه القصيرِ المصبوغِ حديثاً ، و الأهمّ من كلِّ هذا ، بضحكتِه العريضةِ ظريفةِ الوقع و خدّيه المُمتلئين المتوردّين ، يبدو أبي مُشرِقاً كما اعتدتُ رؤيتَه في طفولتي و في أحلامي القريبة ، يا إلهي.. كم تبدو نجماً يا أبي!

_"أبي!"

صاحَتْ لولا بغتةً فجذبَتِ انتباهَ كلِّ من في الصّالةِ إلينا ، و جذبَتِ انتباهي إليهم من ثمَّ ، هنالك _و بالإضافةِ إلى أبي العزيز_ سيباستيان و عمّي و زوجُ عمّتي ، و في صدرِ الصّالةِ يجلسُ.. هيسونغ..
هذا هو الحلمُ الحقيقيّ ، رجلُ النّغماتِ حبيبي في المدينةِ الأُخرى جالسٌ الآنَ بين أهلي ، و فوقَ ذلك يبادلُهم الأحاديثَ و كأنَّه فردٌ منهم ، معرفتي به لم تتجاوزِ الأسبوعَ بعدُ ربّما.. فكم هو قدري كريمٌ اليوم!

نغماتٌ فتيّة~لي هيسونغحيث تعيش القصص. اكتشف الآن