27

166 21 58
                                    

الصُّدَف ، هل أؤمنُ بالصُّدَف؟
لا أدري ، لم أفكّر في الأمرِ من قبل كثيراً ، أهي الصُّدَفُ التّي تسيّرُ أحداثَ حياتِنا في العادة؟ أم أنَّه خطُّ القدرِ و تحيُّزُ القرارات؟
أتصدفُ العلاقاتُ و الأعمالُ و الأحاديثُ و الأفكار؟ أم أنَّها حياتُنا مكتوبةٌ و نتفاعلُ معها نحن و حسب؟ أم أنَّ أحداثَها مكتوبةٌ بشكلِ خطوطٍ زمنيّةٍ نسيرُ فيها نحنُ بحسبِ ما نختار؟
ماذا عن أنَّ هنالك من يتحكّمُ فينا و يستخدمُنا لأجلِ الوصولِ إلى مآربِه؟
لماذا ما من إجابةٍ على هكذا أسئلةٍ مهما حاولنا التّفكيرَ فيها؟
و لماذا أبالغُ أنا في التّفكيرِ الآن؟
على أيّةِ حال ، ليسَ في يدي أنا وضعُ الإجاباتِ و لا بالنّسبةِ لأيِّ سؤالٍ كان ، فأنا و بالإضافةِ إلى أخواتي و أُمّي أيضاً فشلنا حتّى في استنباطِ معلومةٍ واحدةٍ عمّا كانَ يقصدُه السّيدُ سيباستيان في مكالمتِه السّابقة ، حاولنا جميعاً بكلِّ ما لدينا من قوّةٍ أن نتتبّعَ كلامَه و نكتشفَ من خلالِه عن أيّةِ صدفةٍ كانَ يتحدّث ، غيرَ أنَّه أبى منحَنا أيّةَ معلومةٍ قبلَ أن نذهبَ بأنفسنا إلى المستشفى حيث هو ، و قَدْ خفتُ أن أزيدَ في الإلحاحِ فيكشفَ شيئاً من أسراري أو عنها أمام أُمّي ، فأنا في الواقعِ أواجهُ إحساساً جديداً الآن.. جديداً تماماً و منافياً لكلِّ أحاسيسي السّابقة.. متعلّقاً بهيسونغ كمثلها..
تجهّزنا على عجلةٍ بغيةَ الانطلاقِ من بيتِنا إلى المستشفى ، استغرقَتْ منّا هذه الانطلاقةُ عشرَ دقائقَ من جهةِ تبديلِ الملابسِ و ما سواها ، و ربّما عشراً أخرياتٍ في انتظارِ الآنسةِ لولا حتّى تنهي دراسةَ إطلالتِها "السّريعة" ، و دقيقةً فوقَ ما ذكرتُ في انتظارِ وصولِ سيباستيان لكي يوصلَنا ، لم أكن أدركُ كيف ستتّسعُ مقاعدُ السّيّارةِ لنا جميعاً ، لكنَّ أُمّي أصرَّتْ على أنَّها ستفعل ، جلسَتْ هي في الأمامِ و تركتنا نتحمّلُ مسؤوليّةَ قرارِها في الخلف ، لم يكن الأمرُ مزعجاً على أيّةِ حالٍ لولا نظراتُ سيباستيان المُبالغةِ في الابتسامِ نحوي و إشاراتِه الغامضةِ المُستفزّةِ لكارول ، هذا ليسَ مزعجاً إلّا لسببٍ واحد.. لأنَّه ينمّي آمالاً كثيرةً في داخلي ، آمالاً قَدْ تكونُ أبعدَ البُعدِ عن الواقع.. و قَدْ تكسرُ قلبي.
لم يستغرق طريقُنا في الواقعِ أكثرَ من خمسِ دقائقَ أيضاً ، لكنَّه و تبعاً لحماسِ بعضِنا قَدْ فعل ، كانَ الطّريقُ يطولُ و يطولُ و كأنَّه لا ينتهي ، أمّا تبعاً لخوفِ بعضنا الآخر ، فقَدِ انتهى في غمضةِ عين ، على العكسِ من المرغوبِ و المُتوقَّع.
وجَّهَتْ أُمّي في خلالِ هذا الوقتِ كثيراً من الأسئلةِ لسيباستيان عن ليلته الماضية ، لم يتضمّن أحدُها على شيءٍ متعلّقٍ بالحادثةِ أو المفاجأة ، كلُّها كانَ متعلّقاً بماذا أكلَ و كيف نامَ و هل تعبَ و لماذا لا يعودُ إلى البيتِ و يرتاح ، و هل كلّمَ أبي و كيف حالُه ، لم تسأله حتّى سببَ بقائه خارجَ البيتِ طوالَ اللّيلِ و لماذا ما استقطعَ مناوبتَه تلك إلى جانبِ المُصاب ، تعرفُ إذاً كثيراً ، أكثرَ بكثيرٍ ممّا باحَتْ و أختاي به.
وصلنا أخيراً إلى أمامِ المُستشفى ، و أُعلِنَ تحريرُنا من احتجازِ السّيّارةِ العجيبِ ذاك ، ترجّلَتْ أوّلاً لولا الشّقيّةُ التّي اشترطَتِ الجلوسَ بجانبِ النّافذةِ منذُ البداية ، ثمَّ تبعتُها أنا و من بعدي كارول ، و أخيراً العزيزةُ لينا التّي ظلَّتْ ساكنةً طوالَ الطّريقِ على نحوٍ غريب.
مشيتُ خطوتين بعيداً من موقعِ السّيّارةِ و رحتُ أتلفّتُ في مُحيطِ المُستشفى الواسعِ و أتأمّلُ في موضوعٍ إضافيّ ، أبي منعَ على سيباستيان أن يجيءَ بإحدانا إلى مركزِ الشّرطةِ أو حتّى يخبرَنا بموقعِه منذُ البارحة ، و كانَ يرفضُ حتّى آخرِ لحظةٍ أن يتمَّ إعلامُنا بما حدث ، و كأنَّه يعيشُ في كوكبٍ آخرَ بعيدٍ عنّا تمامَ البعد.
أليس الأجدرُ بنا أن نكونَ إلى جانبِه الآنَ نسألُ عنه بدلاً من انتظارِ سلامةِ شابٍّ أرعنَ و طلبِ السّماحِ منه دون أن يعلم؟ لماذا يرفضُ أبي دائماً منحَنا هذه الفرصة؟ لماذا يبني كلَّ هذه الحواجزِ بينه و بيننا نحنُ بناته؟ أهذا ما كانَ يقصدُه هيسونغ في اللّيلةِ الماضيةِ عندما تشاجرنا؟ ربّما ، و ربّما هو و لولا على حقٍّ أيضاً ، أنا المُخطئةُ في قصّتنا ، و لا أعرفُ كيف أصحّحُ أخطائي حتّى و أنا أطالبُ أبي بما هو شبيه ، أنا تائهة

نغماتٌ فتيّة~لي هيسونغحيث تعيش القصص. اكتشف الآن