23

176 20 42
                                    

هبطَ المساءُ علينا بغتةً و قيّدَ أيدينا ، هبطَ على قلوبِنا بقلقٍ كبيرٍ و تيهٍ أكبر ، فقَدْ أكّدَ لنا حضورُه تأخُّرَ أبي و سيباستيان علينا و مبالغتَهما في هذا التّأخُّر.
أعرفُ أنَّ التّركيزَ على الانتظارِ يطيلُ في مدَّتِه ، دائماً ما حدثَ هذا و اعترفَ به كثيرٌ من النّاس ، لكنَّ هذا النّهارَ بالذّات مضى بسرعةٍ غريبة ، فنحنُ فيه لم نذق طعمَ الرّاحة ، نتنقّلُ ما بين الضّيوفِ بالاستقبالِ و الضّيافةِ و أجوبةِ أسئلتِهم الحشريّةِ ثمَّ الاستماعِ لانتقاداتِهم اللّاذعةِ الغبيّة ، لمَ لا؟ فنحنُ إحدانا تدرسُ في مدينةٍ بعيدةٍ و لا تكتفي بالتّخصّصاتِ البسيطةِ هنا مثلَما فعلَ أبناؤهم العاقلون ، و واحدةٌ تعملُ في مدينةٍ بعيدةٍ كذلك لسببٍ لا يعرفونه في الظّاهر ، و أُخرى متزوّجةٌ من رجلٍ غيرِ ميسورِ الحالِ و لم تنجب طفلاً بعد.
هذا غيرُ أنَّنا في البيتِ ثلاثةٌ ما تزوّجن بعد ، و اثنتان لا تعملان و تهلكان أهلَهما بالمصروف ، هل الأماكنُ التّي نسكنُ فيها آمنةٌ و دائمةٌ أصلاً؟ من نظنُّ أنفسنا لنحاولَ أن نعيشَ كما نريد؟
تركتُهم في الصّالةِ و توجَّهتُ إلى غرفةِ النّومِ بعدَ إذنٍ كادَ يُطلَبُ خطّيّاً ، أودُّ تأمينَ الرّاحةِ لرأسي بأسرعِ وقتٍ من لومهم الذّي لا ينتهي مهما فعلنا ، و إلّا انفجر.
ما صدّقْتُ متى دخلْتُ الغرفةَ و أوصدْتُ البابَ على نفسي ، استندتُ إلى خشبِه و رحتُ أنازعُ ضدَّ الجملِ النّكراءِ التّي قيلَتْ في حقّي طوالَ النّهار ، و التّي ما استطاعَ عقلي إلّا ترديدَها علَّه يخفّفُ من حملِها في الكتمان..
و في لحظةِ أوشكتُ على تعميمِ الاستسلامِ على كافّةِ مداركي ، تحرّكَ البابُ خلفَ ظهري و طُرِق ، و باتَ من خلفَه يحاولُ الدّخول

_"افتحي لونا ، هذه أنا كاورل"

انزحتُ من أمامِ البابِ و تركتُها تفتحُه ، تبادلْنا بضعةَ نظراتٍ خائبةِ الرّجا ، نبوحُ عبرَها لبعضِنا بأسرارِ تعبِنا و إرهاقِنا و انتهاءِ طاقتِنا ، و نعبّرُ فيها عن اقترابِ انهيارِنا أمامَ الكرهِ المُغلَّفِ بالمزاحِ في الخارج.
خاطبتني عيونُها بهوان ، طلبَتْ منّي الصّمودَ قليلاً بعدُ ريثما يعودُ أبي ، و خاطبتُها على ذاتِ النّحوِ و لكن بانفعال ، أسألُها مساعدتي فيما تريد.. لم أعد أستطيعُ احتمالَهم.. أهذه الحياةُ التّي كنتُ أقاتلُ هناك لأستعيدَها؟

_"تعالي إلى هنا"

سحبَتْني بهدوءٍ في اتّجاهِها و غطَّتْني بحنوِّ ذراعيها ، أكادُ في بعضِ الأحيانِ أعتبرُ كارول أُمّي و أنسى أنَّ لي أُمّاً حقيقيّة ، فهي من تقفُ معي دائماً كيفما كانَتْ حالُها ، و تفهمُني أكثرَ من نفسي ، كارول ستكونُ أُمّاً رائعة ، أرجو أن تتحقّقَ أمنيتُها هذه في القريبِ العاجل.
مرَّ بعضُ الوقتِ علينا و نحنُ متجمّدتان لا يخطرُ لنا الحراكُ ببال ، سمعنا ضجّةً خفيفةً في الصّالةِ من بعدِ مرورِه ، فابتعدنا من بعضِنا و رحنا نصغي لها و نتمعّنُ فيها ، علَّها ضجّةُ رحيلِ الدّخلاءِ المُنتظر.
فتحتْ كارول البابَ قليلاً تسترقُ النّظرَ إلى الخارج ، في حينِ وقفْتُ بجانبِها أنتظرُ أن تنبئني بما ترى ، بَيْدَ أنَّها و في غضونِ ثوانٍ تراجعَتْ ، و وقفَتْ تترقّبُ شيئاً ما

نغماتٌ فتيّة~لي هيسونغحيث تعيش القصص. اكتشف الآن