42

109 15 18
                                    

مطرٌ خفيف ، حقيبةُ سفر ، حضنُ الوداع ، مساءُ يومِ أحدٍ كئيبٌ و سعيدٌ في الوقتِ عينِه ، شارع اثنين و أربعين ، أمام البناءِ حيث يسكنُ هيسونغ ، و أسكنُ منذُ قرابةِ نصفِ عام.
صعدَ كلٌّ من كارول و سيباستيان في سيّارةِ السّائقِ صديقِه بعدَ وداعِنا العاطفيّ في قلبِ المطر ، و غادرتِ السّيّارةُ بهم من أمامي ، كانتْ كارول تلوّحُ لي من الخلف ، و كنتُ ألوّحُ كذلك ، ألوّحُ للكثير.
تركَني الثّلاثةُ الآنَ حائرةً في قارعةِ الطّريق ، حائرةً في شعوري في أفكاري ، أحملُ أغراضي بفوضويّة و أتحاشى بالصّلواتِ الصّقيعَ و لا أستفيد ، و أخيراً ، أتأمّلُ دربَ السّيّارةِ غيرَ المرئيّ ، أتأمّلُ انحلالَ فترةٍ أُخرى من حياتي ، فترةِ شهرٍ كاملٍ من بيتِ العائلة ، شهرٍ من الأتعابِ و الأفراحِ و المتغيّراتِ و التّقاليدِ و التّناقضات ، انتهى حديثاً ، ربّما في لحظةِ وطئتُ خارجَ السّيّارة.
تلفّتُّ ذاتَ اليمينِ و ذاتَ الشّمال ، الشّارعُ فارغٌ من أيِّ متحرّكٍ عدا المطر ، و ليس يضيئه إلّا ضوءُ شمسِ المساءِ المُقبلةِ على الغفوة ، سكونُه جنائزيّ ، و ظريفٌ أيضاً.
تنهّدتُ متأهّبة ، حرّكتُ قبّعتي الصّوفيّةَ في مكانِها ، ثمَّ سرتُ في اتّجاهِ البناءِ مباشرةً ؛ لم أخبر هيسونغ بأنّني سآتي اليوم ، و ألححتُ على أخواتي لئلّا يخبرنه ، أردتُ أن أفاجئه لا بالخبرِ و إنّما بتنفيذِه مباشرةً ، أريدُ أن أكونَ مبدعةً كما تطلبُ الآنسةُ لولا ، أرجو فقط أن أسرَّه كما تخيّلت.
فتحتُ حقيبةَ يدي عندَ عتبةِ البناء ، و التقطتُ منها هاتفي المحمولَ الجديد ، هديّةَ أبي لي ، فتحتُ قفلَه بسرعة ، و توجّهتُ إلى رمزِ الاتّصال ، سأتّصلُ به لأعرفَ إن كانَ في الشّقّةِ في الأعلى ، فالشّوقُ في قلبي لن يتركَني أنامُ حتّى يومِ غد ، أنا مشتاقةٌ له كثيراً ، لم أره منذُ أسبوعين بالضّبط ، و على الرَّغمِ من أنّنا نتحدّثُ كلَّ يومٍ و نطيلُ في الحديث ، يظلُّ لقاؤه بالنّسبةِ لي عيداً..
إلهي كم أنا مشتاقة! كم أودُّ معانقتَه و ملامسته! كم أودُّ أن أشعرَ بدفئه بعيداً من كلِّ الأجهزةِ و الحداثة ، أريدُ قربه لا أقلّ..
أنا أُحِبُّه كثيراً.. أُحِبُّه إلى حدِّ نسيتُ أن أتضايقَ لفراقِ أهلي في الجنوبِ البعيد..

_"أهلاً حُبّي"

أجابَني بصوتٍ ناعس ، ملتُ برأسي على إثرِه ، و سرحتُ مع خيالي الخصب ، شكلُه الآنَ لطيفٌ جدّاً على الأكيد ، كصوتِه الحلوِ هذا.
تقدّمتُ في بابِ البناءِ حتّى لا تخطرَ له رؤيتي من فوق ، و احتميتُ بالسّقفِ من تثلّجِ قطراتِ المطر ، إمّا أنّ الجوَّ باردٌ فعلاً إلى هذا الحدّ ، و إلّا فإنّ جسدي يطالبُ بدفءٍ من نوعٍ آخر ، و أرجّحُ الخيارَ الثّاني بكلِّ جرأة

_"كيف حالُكَ عزيزي؟ أين أنت؟"

_"مشتاقٌ لكِ أينما كُنت"

_"أنا جادّة ، أين أنت؟"

_"هل أعتبرُ هذا شكّاً؟"

نغماتٌ فتيّة~لي هيسونغحيث تعيش القصص. اكتشف الآن