33

134 18 14
                                    

قضيتُ ساعتين لا تُوصَفان برفقةِ زوي لكثرةِ ما كنتُ فيهما مبتهجةً و مرتاحة ، تشاركنا ذكرياتٍ كثيرةً و أفكاراً عجيبةً و مزحاتٍ أكثرَ عجباً ؛ حكيتُ لها عن الأوضاعِ في السّكنِ و في الجامعة ، و حكَتْ لي هي عمّا فعلَتْ في الأعوامِ السّالفةِ من بعدِ ما جرَّتْ ظلالَها إلى المدينةِ الغربيّة ، عن عملِها في مزرعةِ ورودٍ هناك إلى قربِ البحر ، و عن دراستِها في خلالِ هذه الفترةِ و بالرّغمِ من كلِّ الظّروفِ غيرِ المُساعِدة ، ها هي قَدْ أنهَتِ الثّانويّةَ و بدأَتِ التّخصّصَ في الجامعةِ منذُ بدايةِ هذا العامِ و بعلاماتٍ ممتازة.
قصّةُ كفاحٍ لم تصدّق بنتٌ من عائلتنا أنّها ستُقَصُّ بين قصصنا في يومٍ من الأيّام ، لكنَّ زوي ألّفتْها و خاضتها و كانَتْ أهلاً لها ، و لولا سفرِها خارج المدينةِ لظلَّتْ محجوزةً في ظلالِ غلِّ شقيقِها الأكبرِ روي _سامحَه اللّٰه_ و دعمِ أبيها لتبجّحِه.
المُهِمُّ أنَّها مُرتاحةٌ و تقومُ بما تريد ، يعرفُ الجميعُ في كافّةِ الأحوالِ أنَّ زوي لا يمكنُ التّحكّمُ في تصرّفاتِها و قراراتِها أبداً ، و بحسبِ ما كانَتْ تقولُ عنها شقيقتي لينا ، فهي من النّوعِ الذّي يظلُّ قويّاً إلى يومِ يُفرَضُ عليها ما ترفضُ بأقصى قوّةٍ و يطفئها ، و هذا ما أرجو ألّا يحدثَ إطلاقاً.
عدتُ إلى البيتِ بنفسٍ جديدةٍ أقوى و أكثرِ حيويّة ، و توجّهتُ إلى غرفةِ الجلوسِ من فوري ، كانَتْ تحوي كلّاً من أُبويَّ و سيباستيان و لينا و كارول التّي فتحَتْ لي ، كلُّهم جالسون أمام التّلفازِ يتابعونه بشغف ، حتّى أنَّهم بالكادِ قَدْ سمعوا سلامي ، بل و ما ردّوه أيضاً ، ما الذّي تُراه يجري؟

_"أين كنتِ لونا؟"

سألَتْ أُمّي بغتةً و انهمكَتْ في إنقاصِ شدّةِ صوتِ مُقدِّمِ الأخبارِ النّاعقِ في قلبِ شاشةِ التّلفاز ، لم أعرف إلى أين أنظرُ في تلك اللّحظة ، أإليها أم إلى الشّاشةِ و أخبارِها العطيبةِ هذه

_"كُنتُ عند.. أتمشّى ، كنتُ أتمشّى"

كادَ الكلامُ يفلِتُ منّي لولا أمسكتُ لساني في آخرِ لحظة ، و لسعدِ حظّي ، لم تنتبه أُمّي و لا غيرُها إلى اهتزازِ لهجتي ، فهم جميعاً.. صحيح ، فيمَ هم مركّزون إلى هذا الحدّ؟
استدرتُ نحو التّلفازِ أتابعُ كمثلهم ، كانَتِ الشّاشةُ تعرضُ مُراسلاً يدورُ بين مجموعةٍ من النّاسِ بلاقطِ صوتٍ في حجمِ رأسِه و يسألُهم عن رأيهم في شيءٍ ما ، و كانوا يجيبونه بأنَّهم مرتاحون إزاءَ قراراتٍ حكوميّةٍ جديدةٍ تحلُّ مشاكلَهم ، لكنَّهم غيرُ متفائلين إزاءَ موسمِ الأمطار ، و أنا لم أفهم شيئاً و لم أقتنع بشيء ، لا أصدّقُ أنَّ عقلاً متّزناً سيجدُ الرّؤيةَ الحكوميّةَ أكثرَ رحمةً من الرّبّانيّة ، و مهما قسَتْ عقوباتُ الأرضِ و حاولَتِ المجالسُ حلَّها ، يستحيلُ أن تكونَ نيّاتُهم تجاه عامّةِ النّاسِ صافيةً كما يظهرون.
تتبّعتُ أنظارَ العائلةِ من ثمَّ ، و لحظتُ كونهم متجمهرين حولَ هاتفٍ ما كما يفعلون مع التّلفاز ، خلتُهم لوهلةٍ ينتظرون نتيجةَ امتحانٍ أو عملٍ ما ، بَيدَ أنَّني استبعدتُ الاحتمالَ عندما تذكّرتُ أنَّ الأخبارَ الاقتصاديّةَ آخرُ ما يُذاع

نغماتٌ فتيّة~لي هيسونغحيث تعيش القصص. اكتشف الآن