الهفهفة الرابعة

446 17 2
                                    

الهفهفة الرابعة
أسفل شجرة الدِردار جلست حليمة والراوي أمام الدار
تشدو بشجن أن كان ياما كان وأمامه تطحن حبات القهوة وتضع عليها الهيل والحبهان
تسأله عن مصاب الشيخ المكلوم فيرثيه أن كتب عليه أن يكون محروم
تهز رأسها نفيا .. تصنع القهوة وتقلب الفنجان
تُطالع الخطوط وتربط الخيوط ثم تبتسم وتجابهه
يظن الشيخ أن ماحدث له أصابه بالداء ولا يعلم أن رحمة الله أرسلت له منذ زمن الدواء
....................

المدينة الساحلية

" أنا لا أهرب يا أبي لا أهرب " قالها طارق بغضب يائس متحركاً في أنحاء شقته بتوتر يشعر أن الضغط عليه من كل ناحية
لما لا يفهمون ؟
لما لا يشعر أحد به
استمع إلى صوت والده المعاتب وإلى كلماته الناصحه فاختنق صوته قائلاً بلوم
:-
" كيف تطلب مني نسيانها يا أبي ؟
هل حقاً أي أحد يمر بالذي مررت به؟
أيستيقظ المرء كل صياح ليجد ابنته ميته بجواره دون مقدمات ؟"
اختنق الدمع في عينيه غاسلاً وجنتيه وشعر بشئ من التعب يلم بجسده حتى أنه استند على الطاولة الموضوعه يحاول التنفس بصعوبة حتى خرج صوته متحشرجاً متهدجاً بالبكاء وهو يقول بتوسل :-
" قطعة من روحي وأخذوها دون تمهيد
بالله عليك يا أبي إن كنت أهرب فدعني علني أجد نفسي
لقد بت أكره البلدة وما فيها
أكره بيتي وشقتي أكره كل شئ يذكرني بعدم وجودها معي
بالله عليك يا أبي دعني أحاول التناسي فالنسيان معجزة لا أشعر أني أستحقها "
أغلق مع والده وانهمرت الدموع من عينيه منخرطاً في بكاء رجولي خشن حتى شعر أن الشقة كلها تطبق على نفسه
وأن جلوسه وحده اللحظة قادراً على إحالته مجنوناً فخرج مسرعاً صاعداً إلى السطح وهناك وجد القطة تمؤ مسرعة راكضه تدخل لبيت الصغار الذي لا يزيد عن كرتونة ورقية
دمعت عيناه بشئ من السكينة لذكرى مشهد ولادتها
حتى أنه جلس أمامها متأملاً لها وهي تنام على جانبها بينما الصغار يتناوبن للرضاعة
تحميهم بأرجلها وعينيها مسمرتان عليه بتحذير أن يفكر بالاقتراب
لم يشعر حتى أن عيناه عادتا ذرف الدموع لكن هذة المرة كان بشئ من الرضا وهو يلهج بالحمد مناجياً السكينة لروحه
لم يشعر بهذا حتى سمع صوتاً حنوناً بنبرة تحتاج التركيز لالتقاط معنى الحديث
ولم يفهم إلا حين كررت ما تقول مرات
"هل خمشتك القطة ؟
لما تبكي ؟
الكبار لا يبكون "
رفع طارق عيناه يتأمل تلك الشابة الصغيرة التي تتتحرك ناحيته تتحسس طريقها وكأنها لا ترى حتى أنه تسائل كيف عرفت أنه يبكي
فتاة كانت لتكون جميلة أكثر من جمالها الحالي لولا أنها بدت من صاحبي الحالات الخاصة
ترتدي منامة تشبه خاصة الأطفال وشعرها مصفف بعناية حتى أن رائحة الصابون المنعش فاحت منها فور أن جلست جواره
ابتسم طارق بحنان وهو يراها تضع كفها على صدره لا يعلم إن كانت تراه أم لا لكنها تقول بذات النبرة
"أنا صفية الجميلة "
تحرك ساقيها بتلاهي فيتأرجح ذيل حصانها معها وهي تسأله :-
" من أنت ؟"
اتسعت ابتسامة طارق وهي يخبرها بحنان :-
" أنا طارق أسكن هنا حديثاً
لكني لم أراكِ قبلاً يا صفية هل أنتِ ساكنة جديدة ؟"
لم تفهم كلامها دقيقاً إلا أنها بدت ذكية وهي تقول ببديهية وكأنها تلومه :-
" أنا صفية ابنة غرام "
للحظة قطب واتسعت عيناه مستغرباً كيف تكون فتاة بعمرها لها ابنه بعمرها
إلا أن صفيه سرعان ما كانت ترضي فضوله وهي تواصل مرنمه :-
" صفية ابنة غرام
قلب غرام
حبيبة غرام
صفية أخت غرام "
هل هذة الفتاة الجميلة أختها حقاً وهل هي من تراعيها أم عل أهلها موجودين لكنه لم يقابلهم بعد
هذة الفتاة زوبعة من ألألغاز المغيظة والمثيرة للغضب والجنون والشفقة
لمسة حنون من كف صفية على كتفه قذفته لعالم أخر حتى أنه لولهة حين التفت لها شعر أن الصغيرة هي من تجلس جواره
لكن واقعه كان مزيج من القسوة والحنو
القسوة التي صفعته بحقيقة أنه لن يرى ابنته مرة أخرى ولو خيالاً
وحنواً وهو يشعر بها تربت على صدره وكأنها تفهم ما يعانيه تخبره بحنو :-
" طارق جميل "
ضحك طارق ضحكة مختنقة و لأول مرة يشعر بشئ من الصفاء
شئ لم يشعر به منذ الكثيرر لكنه ضحكته انقطعت على صوت صرخه مجنونه غاضبة
" صفية هل أنتِ هنا ؟
بالله عليكِ لما لم تخبريني بصعودك ؟
ظننت أنكِ نزلتِ الشارع "
وصفية مستكينه ومهذبة تحركت من جواره حثيثاً ببطأ حتى وصلت لها تهز رأسها نفياً فيتأرجح شعرها وتقول :-
" صفية ليست شقية
صفية لا تقلق غرام ولا تنزل الشارع دون سيد "
ابتسمت غرام تتنهد براحة وهي تشدها لتضمها لها مقبلة رأسها بحنو وهي تقول :-
" صفية ست البنات "
وهو جالساً مكانه لا يتحرك ولا يصدر صوتاً فقط يتشرب ما يراه بنهم لا يدرك ماهييته
لقد رأته لكنها تتجاهله عن عمد لكن صفية لها رأي أخر
إذ سحبتها من كفها حتى أوقفتها أمامه وهي تقول بحماس :-
" طارق صديق صفية
صفية تنزل الشارع مع طارق "
وابتسم طارق فلمعت عينيها وتلألأت فيها النجوم ثم ابتسمت فاتسعت ابتسامتها كقمر شق سماء ليل حزين فأناره ثم تقول بمزاج رائق
" مساء الخير يا عسلية "
تغمزه بعينيها مما يصيبه بالذهول من كينونة تلك الفتاة وتقول بسخرية وتهكم :-
"أم نقول مساء الخير يا هندسة ؟"
وإن عدد ابتساماته ولهو روحه هذة الدقائق لن يحصيها وهو يجد نفسه يبتسم هو الأخر ولأول مرة يخرج اسمها من شفتيه بنبرته الخشنه المدغدغة لحواس أنثى مرهفة له مثلها :-
" مساء الخير يا غرام "
وبنفسها كانت تهلل حتى أنها تريد أن ترقص اللحظة
" أحلى مساء الخير قيلت لكِ في حياتك يا تعيسة
لقد قال غرام أقسم أنها أحلى غرام سمعتها في حياتي
ليتني أكون غرام قلبك يا قمر "
تلهو نفسها بخفه تميزها ، خفة لا تناسب أبداً قلب الماثل أمامها
قلبه صدأ گقلب صنبور جار عليه الزمان فأصبح متآكلاً تنزل منه المياه صحيح لكنها عطنة ملوثة إن شرب منها الظمآن هلك....
........................

رواية هفهفت دِردارة الجوى حيث تعيش القصص. اكتشف الآن