الفصل الثامن عشر

738 27 12
                                    

الهفهفة الثامنة عشر

أسفل شجرة الدِردار
جلست حليمة والراوي أمام الدار
لقد عاد كان والمكان وسافرا سويا عبر الزمان
يسألها عن عودة الفرح لعينيها گ صبية
فتخبره أنها اطمأنت على الفتاة الذهبية
يطلبها أن تقص عليه شيئاً من المجهول
فتشرد بعينيها في غرق المرأة بالكلام المعسول
غافلة عن سقوطها بفادحة تطير لها العقول
يسألها ماذا عن الأعرج ولما  يظهر له قدره كالمجهول
تنتفض بجزع لما تراه من ناراً تلتهمه فتصيبها بالذهول
تضرب على صدرها وتنوح لحال الفتى الذى آل إلى الذبول
.............................
البلدة _ بيت حليمة

" ما الذي تقولينه يا رضا ؟"
همسها طارق وهو ينظر لها ببهوت بينما القلق يعتريه من هذا الجمع بالخارج والذي يعلم جيداً انها لا تعي عواقب قولها معهم
تحرك خطوتين حتى جثى على ركبتيه أمامها ومازال مبهوراً بما تحولت له من جمال لم يكن ليداعب خياله أبداً
أمسك كفيها الصغيرين وابتسم بحنو حتى أنه مال ليقبلهم دامع العينين هامساً بمرارة وحسرة تتجاسر بخلاياه:-
" تعلمين أني عند رؤيتك جالسة هكذا بكامل جمالك لوهلة شعرت لو أنها هي من أمامي؟
هل تعرفين حجم التربيت بصدري وانا أراها فيكِ الآن "
دمعت عينا رضا بألم هامسة :-
" طارق كفى عذابا لنفسك "
مسح دمعة تسللت من عينه ثم ابتسم بشجن وهو يربت عليها قائلاً :-
"أخبريني حبيبتي لما تريدين الهرب وبهذا التوقيت ؟"
شعرت رضا بالضياع يحفها من كل حدب وصوب حتى أنها لم تعرف كيف تجيبه أو تشرح له ما تشعر به
هي ليس لها مكاناً هنا البتة
هي لا تنتمي لأحد ولا يوجد مخلوق يرحب بوجوديتها سواه
حتى من تنتمي له بروحها .. قلبها مشاعرهاً يراها گ حملاً ينتظر أن تحين لحظة طرحه من على أكتافه
وهل تلومة ؟
أي رجل يتحمل الزواج من مخنثة لا تعريف لها
ستكون واهمة ان انتظرت إنصاف الحياة لها
أيدخل الكهل الشباب بعد شيبه ؟

" أنا لا أريد هذا الزواج يا طارق
لا أريد أن يتم ارغامي على رجل لا يريدني "
تلفظ عينيها دموعاً غاضبة والقهر يغزوها فتقول :-
" عشت عمري لم انتظر يوماً أن يقبلني أبي ك فتاته
هل تظنني اتهلف لأكون امرأة لرجلاً لن ينظر لي ابداً كامراة ولو على موتي "
" لا تبخسي نفسك حقها يا فتاة الم تنظري في المرآة " يهمسها طارق بحمية وكله يشتعل لاجلها حتى أنه يريد ضرب عبيدة بلا ذنب
يشدها بقوة فتتحرك من الفراش قسراً ورائه ويقف بها أمام المرأة المعلقة بالحائط قائلاً بإيمان أبوي قبل أن يكون أخوياً :-
" انظري لنا جيداً
هل هناك شئ غريب بالصورة ؟
كون رجلاً خشناً وسيم الملامح مثلي " ينهي جملته بمزاح مداعب ثم يواصل بغزل فخور :-
" تجواره فتاة جميلة كما لم يرى من النساء قبلاً"
وابتسمت
ابتسمت لغزله وقلبها يتفتح رغماً عنها حتى أنها دون شعور وبخجل مالت لتدفن رأسها بكتفه حياءاً بينما نصف عينيها ينظر لما يقول للمرآة بتساؤل حيي مبهور وكأنها لا تصدق أن الصورة التي تراها  انعكاسها هي
هل تعرف الشعور ؟
وكأنها طفلة تلقت غزلها الأول من أبيها فنشر الحياء بساطه من حولها
ابتسامتها كان لها منزلة الفرح في قلبه فضمها له بحنو قائلا ً بخشونة :-
"أنتِ أخت طارق المالكي يا فتاة
أتعرفين ماذا يعني هذا ؟"
ناظرته بتساؤل رقيق ورغبة سافرة في مزيداً من الدلال الذي طالما تمنته فغمزها قائلاً بحمية شاعت الدفئ في أوصالها التي طال ارتجافها
"يعني أن أحيز لكِ الدنيا ومن فيها رهناً لاشارتك
يعني أن يخاف الحزن ليزور عينيكِ مرة أخرى
يعني أن أظل عمري نادماً على ذنبي بحقك لذا سأعيش لتكفيره
يكفي ضاعت واحدة مني وانا أبداً لن أضيع الأخرى "
ضمت رضا نفسها له والحب الجارف يعتريها بينما تبوح لأول مرة برغبة أن تفعل  :-
"أنا أحبك يا طارق
أنا أحبك يا أخي "
ارتجف قلبه بين ضلوعه حباً وحناناً لتلك الصغيرة الآسره بسحر  فشدد من ضمه لها بينما انحشرت الكلمات بحلقه فاستعاض عنها بقبلات دافئة فوق رأسها كان لها وقع الاجلال على قلبها
بعد دقائق كان يضع كفيه على كتفيها هامساً بتساؤل مهتم  :-
" هل لكِ اعتراض على عبيدة نفسه يا رضا ؟"
أطرقت برأسها شاعرة بعجزها عن مواجهة عينيه وهي تهز رأسها نفياً فتنهد بارتياح وهو يقول :-
" اذا أنا لن أأمن أحد غيره عليكِ يا رضا
صحيح انا الى الان غاضباً منه لانه اخفى عني امرك "
كادت أن تدافع عنه الا انها عادت واطرقت صمتاً بينما واصل طارق قائلاً :-
"لن أأمن أن يملكك أحد سوى عبيدة المالكي يا رضا
الزواج يجب أن يتم حتى لا يتعرض لكِ أحد بتلك البلدة الجاهلة وما بعده سيكون لكِ ما تريدين "
رفعت عينيها له بأمل هامسة :-
" هل ستأخذني من هنا ؟"
ابتسم طارق بغموض ثم همس :-
" كلنا سنفعل ما ستأمرين بيه يا زينة البنات "
بعد دقائق كانت حليمة تضرب الباب داخلة عليهم وهي تدق بعصاها الأرض مقتربة من طارق وهي تضيق عينيها قائلة بعبوس :-
"انا لا ارتاح لك يا ولد لقد ضج الناس بالخارج وانت هنا تختلي بالفتاة "
" انها أختِ يا حليمة وهي عروس لها حق أن تدلل "
يهمسها بفخر قصد ايصاله لتلك التي تخضبت وجنتيها بحياء جعل حليمة تبتسم بحنان وهي تقترب منها تحتوي وجهها بين كفيها قائلة بخشونة  :-
" اقتربي يا فتاة " (لأحب وجهك) "
ضحك طارق وحليمة تضع قبلة محشور بها مئات القبل بوجه رضا فشاكسها قائلاً :-
" كفى يا حليمة الفتاة اختنقت تحت وطأ قبلاتك "
لكنها كانت ابعد عن مسايرته اللحظة وهي ترتفع عن رضا دامعة العينين تنظر له هامسة بشجن :-
" هل تعرف ما أشعر به اللحظة يا طارق ؟"
" وكأنها ابنتي "
" وكأنها طفلتي "
نطقاها سوياً بنفس اللحظة وكلاهما يتشاركان شعور الفقد والسلوان بوجود تلك المليحة
لكنه كان أشد عزماً منها اللحظة ليكسر ضعفه مقترباً ليقبل رأسها ثم يضايقها قائلاً بغلاظة بينما يحني لها وجهه :-

رواية هفهفت دِردارة الجوى حيث تعيش القصص. اكتشف الآن