الهفهفة الثالثة عشر ( الفصل 13)

766 31 5
                                    

الهفهفة الثالثة عشر

أسفل شجرة الدِردار جلست حليمة والراوي أمام الدار
تقول له أن كان ياما كان وتطمئنه أن الحكايا لن ينتهي قصصها بسالف الأزمان
تتأفف حليمة نزقة من زنه
وتتخذ لنفسها ركناً قصيا عنه
يصول الراوي من حولها ويجول
فتسأله بعبوس ( ماذا تفعل يا مهبول؟)
يتذمر الراوي ويقول:_
أخبريني يا حليمة عن الحكاية ماذا سيحدث بنهاية الراوية؟
تلوي شفتيها وترد ساخرة:_
" تسألني عن النهاية ولتوك وضعت خطوط البداية ؟"
..........................
البلدة _ بيت المالكية

صرختها والماء المتدفق من أسفل قدميها جعل حالة الذعر تدب في قلوبهم ولا أحد يدري عن كيان التي كانت متسمرة بمكانها متسعة العينين طاردة الدمعتين على الأهداب دون شعور
لقد وصلتها رسالة من الحساب الشخصي الخاص برضا أخو حبيبة يطلب منها أن تقف جوار أخته في مصابها
فقط جملة لم تفهم منها شيئاً وهاتف حبيبة ليس مفتوحاً ولا تستطيع الوصول لها حتى هذا الرضا لم يأبه لتساؤلاتها فاتخذت قرارها أن تذهب لها هي
حبيبة الأخت بالروح لا الدم
حبيبة سند الروح وعزوة القلب والأخت التي لم تلدها الأم لكن ربطهم رحم الحياة بحبل الأخوة
المتين
لكن أين حبيبة ؟
حبيبة ليست هنا
هنا أخرى تقع بين ذراعي زوجها هي تدافع ألم ولادة ابنهم (هم)
هنا الغريمة
هنا المرأة التي أخذت زوجها حبيبها حياتها غنيمة
هنا امرأة تصرخ عوضاً عن ضجيج صراخ القلب
أنين الروح
" أشعر بشئ ينزل مني "
نطقتها رقة برعب وأنفاسٍ لاهثه جعلت هنية تجزع صارخه :-
"فلتسندها على الكرسي "
تصرخ رقة بألم باكية تتمسك بسلمان برعب وهو بارق الأمان الغير أمن اللحظة
هي امرأة ليس لها أحد تعاني مخاض الولادة فتتمسك بالرجل الذي تشعر أنه يتمنى موتها
لكنها خائفة ولا شئ يمكنه أن يهديها الأمان اللحظه سوى حضناً تعرفه
وان كان حضناً أجوف كحضن اسماعيل زوجها
تبكي بانهيار
تدفن رأسها في صدره بخزي
وتتوسل باستغاثه :-
"سأموت سأموت
ابني يا إسماعيل "
وباللحظة التي خرج الجمع بتحرج حيث لا يجوز كشف مصاب حرمة الأخ وعرضه كانت هنية تصرخ بجزع :-
"إنها تلد يا سلمان "
جزع سلمان صارخاً بخوف وشحوب ومازال لم يرى من هنا يحضر لحظه خلاصه لوجوب أمنيته التي لفظها ولفظ البيت والحب والعشق لأجلها
لحظة الأبوة
"أمي يا الهي لن نلحق الذهاب للمشفى "
"سأموت سأموت "
حالة من الهلع تلبستها وهي تضم بطنها تواصل صرخات الألم وتناشد شئ من الانقاذ
وكيان تموت معها
موتاً اخر
موتاً يشبه ضبابية لحظة الاحتضار
أن تشعر بكل ما حولك وتنصت لكل الضجيج لكن ثمة اختناق يفصلك عن التنفس أو الصراخ معهم
"ساموت سأموت ؟"
"لما تشعر أنها هي من تنطقها لا غريمتها ؟"
" كيان حبيبتي هيا لنذهب ؟
صوت يوسف الذي قد أخذ جانباً كي لا يكشف حرمة ما يحدث كان بمثابة بث دفق الافاقة لها فتحركت خطوة للخلف
كلها تهتز وجسدها يرتعش والانهيار يطرق الابواب
بل يدقها بعنف كسطو عزم على الاحتلال
عنينيها محتقنتين وكلها يختنق فهمست بتوسل :-
" يوسف احتضنني "
لم تكد تطلب حتى كان يدفئها بين ذراعيها يخبئها بينهم
يقبل رأسها تباعاً ويهمس عبارات الطمأنينه حتى كانت تخرج أخرى من بين ذراعيه
أخرى وضعت كفيها بين كفيه يشد عليهم ويومئ لها مبتسماً
تلك هي كيان
تلك هي أخته
تلك هي الانثى الاستثنائية التي لا مثيل لها
كيان التي اقتحمت غباء فزعهم تدفع سلمان الذي تعرف جيداً كيف القلق يجعل عقله يتوقف بينما تأمر مودة بحزم
" ساعديني ننقلها لأقرب غرفة "
ثم التفتت لسلمان قائلة بعملية :-
"اتصل بالاسعاف"
بعد دخولهم للغرفة نظرت كيان لهنية ومودة وهي تقول مسرعه :-
"أريد معقم فلتجلبا من حقيبة سلمان أو من عندك يا مودة "
نظرت لرقة التي كانت في حالة انهيار تام من البكاء فأغلقت على قلبها دفق الغيرة ومعبر الحس والشعور ثم ابتسمت تخبرها بحنو منزوع الروح وكأنها لا تعرفها :-
"أهدأي ستلدين أعدك "
النظرة الخائفة بهلع بعيني رقة فهمتها جيداً
رقة التي كانت تنظر بين الوجوه
سلمان الذي يقف متوتراً شاحب الملامح جوار الباب
لا أحد هنا جوارها
لا أحد هنا معها ولأجلها
كيف يسلمونها لهذة لتقوم بتوليدها هي؟
توليد ابنة غريمتها ؟
هل تضره ؟ هل تفعل شيئاً قد يفقدها حياتها لتتخلص منها
هل هي بالأساس ط؟
والسؤال لم يلحق أن يكتمل برأسها وصوت كيان الرقيق المرتفع وكأنها تفصل عن عقلها تكهنات فزعه
"انا طبيبة "
التفتت كيان ناحية سلمان فنظر لها بجزع
بأنانية يطالبها العون ويشكو لها التشتت
كيان التي تفهمه فقط من نظرة عين
تشير له ناحية رقة ثم تلتفت لها تحدثه كأنه عابر:-
" تعالى احتضن زوجتك وساندها "
عقمت كيان كفيها بالمعقم الذي جلبته مودة ثم نظرت لرقة وهي تقول :-
" تنفسي بعمق وحين يأتيكِ الألم شديد ادفعي للأسفل "
احتضن سلمان رقة ماسحاً على شعرها و القلق يغزوه والنظرة لوجه كيان تشيع في نفسه السكن والعقل اللحظة لا يفكر بمعطيات أو ترتيب
يمسك كفيها وكيان تأمرها
"ادفعي "
تصرخ تدفع
ألم المخاض يشتد ومخاض من نوع أخر يشد هجمته بروح كيان
طلق الروح أقوى من طلق الرحم
أنثى تنازع لتلد جنيناً وأخرى تتوسل القلب ليكون رحيماً
روح خلاصها بين عنق رحم وأخرى خلاصها بين عنقاً أضيق من سم الخياط
عنق المعاناة
شعرت بدواراً يلفها وهزلاً يدق جسدها ولحظات كهذة ربما لن تشهدها أمومتها أبداً
والانهيار يعاود شد هجمته فصرخت ببكاء لم تستطع كبحه
"لقد ظهرت الرأس استمري بالدفع "
بدأت كيان تبتهل داخلها وهي تسحب الرأس برفقاً شديداً متوسلة لرقة التي بدأ يخفت صوتها
" بالله عليكِ تحملي قليلاً وساعديني "
لهثت بألم وهي تخرج جسد الطفل بحرصاً شديداً حتى كانت صرخته ليثبت وجوده بالحياة فتحيي القلوب
رقة التي ابستمت باكية
سلمان الذي دمعت عيناه
وهنية التي تضم قبضتيها لم تكل لحظة عن الدعاء
أما كيان فقد كانت كألة تلاحظ خروج دفق من الماء والدماء وصوت مودة الهلع :-
" دماء يا كيان "
لم ترد عليها كيان وقد كان هلعها لشئ أخر فالحبل السري ملتف حول رقبة الطفل
رفعت كيان وجهها للأعلى والدموع طفرت من عينيها صارخة بتوسل ولا أحد هنا يعلم عن معاناتها شئ
"يارب يارب يارب "
بثانية كانت تعود للطفل وحثيثاً تفك التفاف الحبل من حول رقبته وصوت رقة يصدح خافتاً بتوسل
" هل هو بخير ؟"
" بخير " نطقتها كيان دون أن تنظر لها وهي تساعد الطفل بحنكه على التنفس حتى اطمأنت عليه
ثم بدأت بربط الحبل السري ببعداً عشرة سم للطفل ونفس البعد ربطته لناحية منطقة العجان للأم ثم لهثت تناضل لتخرج المشيمة
نظرت بوجه شاحب ناحية سلمان وأمرته :-
"قم بتدليك أسفل بطنها تحت السرة "
ثم نظرت لرقة قائلة :-
"انفخي بين كفيكِ وكأنكِ تدفئيهم "
صوت بوق الاسعاف تزامن مع خروج المشيمة فنظرت كيان لهنية قائلة بنبرة لا حياة فيها
" خذي حفيدك يا ماما وادفئيه حتى يلحق بأمه للمشفى حتى يفعلون له اللازم "
بعد دقائق طويلة كانت تخرج ليوسف وكأنها أخرى غير التي أتت معه
أخرى منزوع عنها ملامح الحياة
أخرى مرعوبة أن يشهد أحد لحظة ضعفها ولا أحد هنا سوى مودة التي كانت بالكاد تلتم على أعصابها
أخرى هزيلة
وكأن الدقائق التي دخلت فيها جلدتها حتى أوهنتها
أخرى نحيلة
هل ينحل الجسد بين ساعة وساعة ؟
أخرى منطفئة
هل تعرف الشعور ؟
هل تعرف شعور انطفاء ضي العين والعيش في الظلمة ؟
لكن انطفاء الروح أحلك فلا حواس هنا بدهاليز النفس ستساعدك على التخطي
عينيها وكأنهم متقرحتين والهوان يشن حربه عليها
شدها يوسف لحضنه مشدداً عليها ذراعيه فهمست بخواء:-
"لا أستطيع الوقوف ولا أريد الدخول خذني لشقتي"
بعد وقت كان يدثرها بالفراش مقبلاً جبهتها شاعراً بالوحوش تسن أسنانها بصدره لنهش سلمان المالكي
حتى يفصل لحمه عن عظامه
خرج من غرفة أخته متجهماً غير دارياً عن التي صعدت خلفهم حتى توقف بقسوة وهو يبصرها أمامه
خطفته
كأول مرة تماماً رأها فيها فسرقت قلبه
رقتها شقاوتها دلالها والهشاشة التي تنبض منها
لكن الغضب منها أكبر
وهي بمكانها كانت ترتجف وعينيها تجريان عليه باشتياق متلهف
طوله المميز الذي يشعرها بتميز الضأله في حضرته
ملامحه الوسيمة وبشرته البيضاء بخشونه محببه
هي التي أقسمت ألا تحب رجلاً طويلاً يشعرها بمدى قصرها فأحبت الأطول
ثم سخرت من كل رجل دون بشرة سمراء فوقعت بحبه دون سواه
عينيه القاسية وملامحه المتجهمه وهو ينظر لها جعلت الدموع تطفر من عينيها تنطق اسمه دون صوت فتداعب أوتار قلبه ورجولته بحركة شفتيها
تحرك يوسف مقترباً منها حتى وقف أمامها هامساً بعنف وخشونه :-
"أريد أن أضربك حتى تصم الاذان من حولنا "
"يوسف "
همستها بنبرة باكية وواصلت باشتياق:-
"يوسف أنت هنا "
أغمض عينيه أخذاً نفساً عميقاً وأخرجه ببطأ واضعاً كفيه في جيبي سرواله كابحاً جحيم شوقه لاحتضانها لكن عينيه تأكلانها بنهم الشوق حتى همس باحتراق أرجفها ولأول مرة بدرب علاقتهم يجهر بشوقاً صريحاً يخجلها
" أريد أن أضمك حتى تنقطع أنفاسنا معاً "
ارتجفت مودة تحتضن نفسها وهي تتحرك عن سطو كينونته قائلة بخشونه متحشرجة :-
"يوسف لا يصح هذا الكلام ولا أقبله "
عض يوسف نواجذه ثم همس بغيظ مقتضب :-
"أسف "
لم تلتفت له وكله يتحرق ليعود التملي بوجهها :-
" متى أتيت ؟"
"بالأمس "
التفتت له بنظرة عتاب جعلته يوجعها ساخراً :-
"تطلبين الوصل وأنتِ أول من هجر يا مودة "
يقترب منها بقسوة وذكرى ما فعلته بأخر حديث بينهم يثير زوبعة جنونه فيواصل بقسوة :-
" تبكين ثم تلقين بوجهي أنكِ تنهين ما بيننا ؟
تغلقين كل الطرق التي أصل بها لكِ علي وأنا عاجزاً ببلداً أخر يقطع بيننا الأميال ثم تعاتبين لساعاتٍ أتيت فيها دون أن تعلمي
هل لكِ الجرأة على هذا ؟"
مسحت مودة عينيها وهمست بنبرة حزينة :-
" أنا لم أنطق "
هز يوسف رأسه نفياً ضاحكاً بتهكم وهو يقول :-
" كنا أصدقاءاً قبل أن نكون حبيبين
حتى النظرات نفهمها دون حديث يا مودة "
أطرقت مودة برأسها فسألها بنبرة خافته يفوح منها الغضب :-
" لما فعلتِ هذا ؟"
انتحبت مودة بخوف وهي تقول :-
"أخي تزوج على أختك أي حياة قد تجمعنا "
قطب يوسف قائلاً بعنف أخافها :-
"أخيكِ سأفصل رأسه عن جسده لكن هذا ليس له علاقة بحبي لكِ "
"ليس له علاقة بحبك لي أم تريد الانتقام منه في "
اتسعت عينيه مرتداً خطوة للخلف قائلاً بقسوة مذهولة :-
" هل هذة نظرتك لي بعد كل ما بيننا ؟"
حاولت أن تنطق فنظر لها يوسف بتقرف وهو يقول متحركاً لغرفة أخته :-
" ان كانت هذة نظرتك لي فلا جدوى للحديث وقطع الأميال لأجلك يبدو كان خطأ "
" يوسف " همستها بندم باكِ فأمرها بقسوة :-
"انزلي للأسفل لا يصح وجودك هنا "
............................

رواية هفهفت دِردارة الجوى حيث تعيش القصص. اكتشف الآن