الجزء الأول من الهفهفة التاسعة والعشرين

485 30 6
                                    

الجزء الأول من الهفهفة التاسعة والعشرين

أسفل شجرة الدردار جلست حليمة والراوي أمام الدار
عن الحكايا تسأله هل تغير ال كان والزمان
تعبس وتلوم هل تغيرت فطرة الإنسان ؟
يثنيها ويقول أن الله خلق الإنس والجان
وأنه ما من أحد مُخلد فكل من عليها فان
..................................

البلدة

" انطق يا ولد "
النبرة الرادعة بغضباً مهيباً من رشدان أعادته طفلاً صغيراً يتلقى التوبيخ من أبيه
تلك الفكرة التي أججت غضبه عليها حد رغبته المجنونة في ضربها علها تفيق
تحشرج صوته لعظيم غضبه بعد أن رمقها بنظرة قاتلة ومازالت تنهت بغضب متأجج دون أن ترتدع ثم نظر لرشدان قائلاً:-
" أبي كفى ما بيني وبينها أسرار زوجين هل تريد أن تطلع عليها ؟"
صمت رشدان جعله يظن أنه سيتراجع إلا أن كلاهما تفاجئ بصرامته المنددة وهو يرفع سبابته مكرراً عزمه:-
" والله
أقسم بمن خلق الأرض ومن عليها ورشدان المالكي لا يقسم هباءاً إن لم أعرف ما يدور بين اثنيكم ليكون طلاقكم اليوم على يدي ولأزوج حبيبة باليوم التالي لعدتها كما قلت وكلمتى فوق كلمة أبيها ولنرى "

قسمه الذي زلزلهم جعلها تنكمش رغماً عنها ارتعاشاً أن يصدق في قسمه
تعلم أن أبيها لا يُنزل لرشدان المالكي كلمة
وتعلم أنهم وصل هاهنا حائطاً سداً
لكنها اللحظة تكرهه
تكرهه حد احتراقها منه فتصدر شهقة جزعة من صدرها بدأت معها وصلت بكاء جديدة جعلته يقبض على كفيه رافعاً رأسه للأعلى وكأنه يتراسل مع السماء أن تشحذه بصبراً من جليد
" ما دخل الفاسقة خضرة فيما يحدث بينكم؟"
"أخبره أخبره " تنطقها بجنون اشتعل وكأنها أشبه بكره من النيران كلما ينطفأ وهجها تعود وتزداد اشتعالاً
صمته جعل جنونها على أشده فتقترب من رشدان بهيئتها المذرية وهي تقول من بين دموعها الغزيرة :-
"لقد أتيت لأخبره كما قلت لك يا أبي
أتيت لأفاجئه
لأجدها هنا تلك الساقطة معه ببيتي أنا ملابسها مفتوحة وتتحدث معه عن اتفاق بينهم لزواجاً سرياً "
تشاهق عديداً بألم وهي تستعيد المشهد أمام عينيها فتتلوع بعذاب موصلة :-
" ابنك الذي كان يعيرني بها اللحظة يخبرني كم هي امرأة تحبه وتعرض عليه نفسها
لم يطردها لم يضربها ويسبها لعهرها بل كان سعيداً بها "
مع كل كلمة كانت تقولها كان رشدان يتوعد صامتاً كناراً اشتد جمرها حتى هبت جزوة حمرتها
الغضب الذي كان يشعر به لو أن له صوتاً لانكمش كلاهما سوياً
لو أن للغضب صوتا اللحظة لكان غضبه أشبه بتوهج النيران أسفل أتوناً مشتعلاً على تنور التوقد
نقل نظراته بينهم بين انهيارها الذي ذكره بماضٍ يوم أن كاد يخسر هنية فيه
وبين ابنه الذي احتقنت عينيه بشرار حارق وهو يلتفت ناحية زوجته قائلاً بقسوة رادعة :-
" كلمة واحدة زيادة يا حبيبة ولن تتوقعي ردة فعلي عليكِ أبداً"
لكنها امرأة محترقه بالغيرة والغيرة لا تعقل معها وحرى للعشق أن يكون شفيع فتتهور كما لم يعهداها قبلاً:-
" لا أتوقع أكثر إن كنت رفعت علي سكيناً هل ستقتلني بالرصاص هذة المرة "
الجنون الذي انتقل لهاشم جعل رشدان يفصل بردع :-
" كفى والله لا اقبل كلمة أخرى كفى وهيا بنا إلى البيت فلن اتنازل عن قسمي"
"أنا لن أذهب معكم أنا أريد الذهاب لبيت أبي "
تحرك هاشم ينتشها من عضدها بقسوة مزمجراً
" هيا بنا من هنا "
تحر رشدان يشدها ناحيته ولا يتعذر لجنونها شيئاً عنده سوى صورة هنية فيما مضى منتظراً أن يسمع من ابنه أولاً فيمسك عنه عضدها قائلاً بأمر :-
" اتركها يا هاشم "
"أريد أن اذهب لبيت أبي يا أبي " قالتها بنبرة حزينة جعلت رشدان يتنهد صبراً وهو يقول بصرامة :-
" فلنذهب للبيت قبلاً يا حبيبة واسمع وأنا بنفسي سأطلقك منه "
بعد وقت حين عادوا للبيت ودخلوا لغرفة الضيافه الخارجية بأمر من رشدان ألا يتدخل أحد
نقل نظراته بينهم وكأن اثنيهم دُق على رؤوسهم ناقوس الطير فاتكأ بجلسته قائلاً بتقرير :-
"أنا انتظر "
رفعت حبيبة نظرها ناحية هاشم بهجوم أنثى شرسة جعلت ابتسامة بسيطة تناوش رشدان ولأول مرة يرى حبيبة الهادئة هكذا مما جعله يلعن بسره خضرة وسلالتها إلا أن انحناء وجه ابنه الغير مفسر أوجعه فناداه قائلاً :-
"هاشم "
رفع هاشم عينيه نحوه بتوسل غير مقروء فهبت تلك المجنونة تقول :-
" حسنا سأتكلم أنا
إن كان صعباً عليك أن تقص عليه ما فعلت فأنا معترفه بخطأي "
لم تأبه بتحذير عينيه الناري وهي تنهض قائلة ببكاء :-
" يا أبي كل ما فعلته أني"
" لقد كانت ترفض قربي منها " اتسعت عينا حبيبة ذهولاً لنبرته القاسية وهو يقطع عليها قولها بينما حدجها أمراً  مهيباً سرى بين عينيهم
" انطقي شيئاً يمسك وسأقطع لسانك "
ولى عينيه عنها ناظراً ناحية رشدان الصامت بترقب ثم تحمحم قائلاً وقد استحال وجهه احمراً وكأنه بين سندين:-
" حبيبة كانت ترفض أن أدعوها إلى الفراش"
"الأمر لم يكن هكذا " همست بدموع وقد تخضبت وجنتيها فامتعض وجه رشدان وهو يصدر سبابته بصدغه بترقب حتى نطق هاشم بتقرير:-
" كانت تنفر مني"
اتساع عين رشدان غضباً مع اخر كلامه وهو يهدر:-
" وقبلتها على نفسك يا بن المالكي؟"
"لالالا لم يكن الأمر هكذا يا أبي أقسم أني لم أنفره يوماً لقد كان "
" اخرجي من هنا يا حبيبة وإياكِ أن تنطقي شيئاً لحماتك بالخارج "
نطق رشدان بصرامة فترددت مما جعله يكرر بأمر
" هيا يا حبيبة اخرجي من هنا "
.............................

رواية هفهفت دِردارة الجوى حيث تعيش القصص. اكتشف الآن