الهفهفة العاشرة ( الفصل10)

708 25 8
                                    

الهفهفة العاشرة

أسفل شجرة الدِردار جلست حليمة والراوي أمام الدار
تقص عليه أن كان ياما كان وتخبره أن ثمة حكايا يقطع القدر دابرها في بعض الأحيان
يتساءل الراوي مهموماً عن ما حل من شقاء بالأبناء ؟
فتبتسم بحزن وتخبره أنه
دوما ما يكون الدواء بين ثنايا الداء
____________________

شقة زين

أشعل سيجارة يمج منها وهو يدخل للشرفة غير عابئاً ببرودة الجو وكونه بلا سترة فنيران جسده المتأججة أولى بتدفئته بل بحرقه حياً
رفع الهاتف لأذنه يتصل بها عالماً أنها لن ترد بالاتصال الأول وستفعل بالثاني
عادة دأبت عليها منذ أيام تحديداً منذ أن أصبحت مكالماتهم تطول دون شعوراً منها وهو يجرفها متقصداً نحوه دون أن تشعر هي
وحين يشعر أنها تتراجع بحذر يعاود التلون في جذبها له حتى تستكين غير واعية
صوتها الرقيق وصله عبر الخط فأرجفه حتى أن سيجارته لسعت شفتيه فرماها يسب دون صوت حتى تكرر صوتها بتوتر فهمس بخشونة تنساب لأذنيها بخطورة
" مساء الخير يا أم الأولاد "
لقباً حميمياً وخبيثاّ أعتاد أن يلقبها به حتى لا تتوجس وليكن خيطاً لقلبها المتعطش للعاطفة
" مساء النور"
نبرتها حيية متوترة كأول كل مكالمة بينهم
يبتسم مشعلاً سيجارة أخرى يسألها :_
" ماذا تفعلين ؟"
أصنع عشاءاً للأولاد وأنت ماذا تفعل ؟"
تصنع الحزن في نبرته وهو يقول مهموماً:_
" أتدور جوعا ولا أجد من يهتم لي"
" لما هذا ألا تطعمك زينب ؟ إنها طباخة ماهرة ؟"
همست رنوة بتساؤل حائر فقال زين بنبرة ساخرة :_
" زينب لا تهتم سوى لنفسها "
صمتت رنوة دون صوت فصرفها قائلاً:_
" دعكِ مني الأن
احكي لي عن يومك بالتفصيل "
بقولها رغبة بالتوغل بين ثغراتها يسد رمق ما تفقده
ضحكت رنوة فسألها:_
" علاما تضحكين "
هزت رأسها نفيا كأنه يراها تقول:_
" لا أعرف كيف أشكرك لولا وجودك لكنت جننت مثل هذا الوقت كل يوم كنت أتحدث مع الحائط تقريبا لا أجد حتى من يسألني كيف حالك "
" عيناي لكِ يا رنوة "
نطقها بحرارة قابلتها بالصمت تشعر بنغزاً يزبد قوياً كلما تتجاهله حتى عاد وصرفها يقول باعتدال:_
" عيناي لكِ ولأبناءك"
صمتت رنوة تتنهد براحة ربما اصطنعتها وربما تمسكت بها كحبلاً واهياً فعاد يتحدث :_
" أخبريني هيا ولا تغفلي عن تفصيلة أم أنكِ تتنصلين من الاستماع لي؟"
" لا لم أقصد " نطقتها بتحرج مقتضب فبدأ يسحبها بنسيج الأحاديث المختلفة حتى عربد شيطانه فوجد نفسه يسأل دون تخطيط :_
" ألا يتصل بكِ أحمد يا رنوة ؟"
وكأنه أحرقها بوقع الحقيقية فتحولت لأخرى منذوية ضعيفة تتلعثم وهي تغلق ببضع كلمات لم تسمعها فزفر بغضب شاتماً نفسه وتسرعه
لكن ماذا عساه بفاعل ؟
إنه يتحايل على الصبر حتى يهدأ جنونه بها قليلاً
إنه يعشقها ومهووساً بالامتزاج بها
أي عشق حرام تلبسه فور أن تنشق شذى قربها والاهتمام بها گ ولياً فصار عبداً كمدمناً في مراحلة الأخيرة ولا سبيل لشفائه
إما إن يحصل على جرعة نيلها وإما أن يموت
يشتهيها كلها
اشتهائه لها ليس محض شهوة غريزية قد تنتهي بلقاء أجسادٍ عابر
يريدها كلها
يشتهي أن يتلاشى فيها فتذوب به حتى تنسى كل شئ عداه
هو عاشق لرنوة زوجة أخيه بكل ما تعنيه الكلمة من معنى

رواية هفهفت دِردارة الجوى حيث تعيش القصص. اكتشف الآن