الهفهفة التاسعة

671 33 7
                                    

أسفل شجرة الدِردار جلست حليمة والراوي أمام الدار
تقص عليه أن كان ياما كان وتخبره أن المعجزات عِبرة للأزمان
الشجن يلون محياهم يتابعان سريان الهم بوجه (طالع ) دنياهم
يشير لها نحو الشيخ الذي يبدو حزنه جلياً
فتبتسم بشقاوة تخبره أن القدر سيهديه عطاءاً فرياً
يعود وتبرق عيناه بفضول حول باقي الحكايا
تبرق عينيها بغموض ثم تخبره أنها ستقص عليه حال الصبايا
...................
الهفهفة التاسعة

" كيف لرجل أن تأتيه الدورة الشهرية بحق محمد؟"

والرد على سؤاله المستنكر كان مهولاً
ليته كان وابل صرخات من جميلة أو حتى بضع صفعاتٍ من رضا ليفيق
لكنه كان نشيجاً نعاماً ومكتوماً شديد البراءة والكبت
وكأنه ؟
وكأنه السد الذي حان موسم فيضان كبته ليفيض بالدمع الغزير
الدمع الذي بدأ وكأنه طال كتمانه
تدفن رأسها بحضن جميلة تلم نفسها كلها بين ذراعيها بخزي ذابح وكأنها تريد أن تتلاشى فيها أو ربما تتلاشى من الوجود بأسره
قبضتيها تنهشان لحم جميلة بلا وعي ودموعها تغرقها بلا حائل
رباه رباه لقد انكشف سر رضا على يد رضا
رضا الأخرس الذي عاش عمراً يواري تخنث عوراته فُضِح بشر عضواً طرياً شديد الحمره تفيض منه دماء الشرف وكأنه الدمغ على كونه الفتاة التي طالما عاشت داخله حان حقها لتسلب عمره فتعيش شئ من حياتها المفقودة فيه
لكن أي حياة ؟
كشف سرها ماهو إلا قربان ذبحها
رضا ؟
وأين رضا أصلاً
وهل عاش يوماً منذ زارته خالة الشرف مبرهنة له هزلية كونه الذكر الذي كبر عليه ؟
لقد فرضت الأنوثة سلطتها مبكراً لتقطع دابر الذكورة وكل ما يخصها
تتجاسر دموعها على وجنتيها مخمليتي الملمس كثيفتي الشعر فيما لا يلائم الأنثى جمالياً أبداً
لكنه أيضاً لا يناسب الذكر البتة
منذ دمغتها تلك الزائرة التي ينقبض لها رحمها اللحظة بعنف تبعاً لغزارة نزفها وهي مضت شهادة موت رضا الذكر الذي ألبسوها حلته زاعمين أنه الأفضل كون أن تعيش ذكر بين بلدة كهذة فضلاً عن أن تكون أنثى بعضوين لا عرفان بجمع وجوديتهم معاً ببشري
مازالت تذكر رضا الصغير الذي كبر كونه صبي يلعب بين صبية الشارع يدلله الجميع من حوله كونه فتى جميلاً وذكيا لكنه منطوياً بعض الشئ متوجساً خفية من شئ يجهله لكنه يشعره
رضا الصبي الذي كانت تحممه أمه صغيراً فيسألها عن هذا الشئ بشع المنظر على فطرته المخالفة لكينونته
الشئ المتدلي والذي يلتصق بموطأ العفة لكنه يضايقه فتخبره بحزم أن حرى له أن يفرح أنه رمز رجولته
كونه صبي فهذا شئ يجب أن تفتخر لوجوده
رضا الذي كبر على تعنيف شديد ألا يرتدي سوى السراويل الواسعه وألا يترك أحداً يلمسه أو يبدل له ثيابه من أبيه وإخوته حتى و إن أوحله الوسخ
تختض بين ذراعي جميلة غير واعية لضبابية جدالها هي وبن المالكية
لكنها كانت عالقة بين ذكرياتٍ أسود من الروث وأشد نتانه من رائحته
تذكر تلك الليلة جيداً التي ذبحو فيها الطفل وعلقوا روحه بمشنقة الخرس
تلك الليلة التي ودعت هي رضا كونها هو رضا
كانت ليلة ممطرة شديدة الشتوية وكانت الكهرباء منقطعه عن البلدة بأكملها
كانت تنام بين ذراعي جدتها تتلمس منها دفئاً كأعمى يقتات على طعام القطط الجائعة بالأذقة فحتماً لن يناله
ألماً شديداً كان يضرب سائر جسدها فيوهنها هذا خلاف اختضاضا عنيفاً يضرب أسفل بطنها فترتعد ويرتعش جسدها هول احتدام المرض
تذكر تلك اللحظة وكأنها الأمس
اللحظة التي اشتد فيها الانقباض أسفلها شاعرة بدفع عنيف بمنطقتها العامرة باللحم الأحمر
ألماً غائرراً أطلقت له صرخة كان نصيبها إثرها ضربة من جدتها النائمة مع تحذيراً عنيفاً ألا تسمع لها صوتاً
بل تحديداً ألا تسمع له صوت
الجملة حتى يتردد صداها على أذنيها الأن
" رضا أقسم إن سمعت لك صوتاً قطعت لسانك "
وكأنها النبؤة
نبؤة قطع اللسان وإن لم يكن بشفرة حادة بل كان بحد سكينٍ من الرهبة والتعذيب
الألم كان يشتد على رضا الصغير بعنف وأخيراً كانت لحظة خلاصه فور أن شعر باندافع ماء غزير من أسفله فانتفض بذعر طفولي كاتما فمه حتى لا تسمع له أمه صوتاً
إنها تذكر
تذكر نفضة رضا الصغير آنذاك
رضا الذي ودعته تلك الليلة بداخلها وفرض عليها علنا بنفس الليلة بصك اتقاء الفضيحة المدوية
رضا الذي نزل من الفراش راكضاً يدخل يده بين ملابسه متلصصاً من حوله ودبيب الرعب يلفه
تنتقل يده الصغيره بين طبقات الملابس حتى وصلت للعري فتلمس ذاك الشئ الذي دوماً ما نفره ثم تنحدر للأسفل قليلاً فيفجعها البلل
البلل الذي لم يكن سوى دماء فاسدة الرائحة
دماء أنبأه عقله الطفولي أنها لحظة خروج روحه وأنه سينتقل للسماء كما فعل جده ليلة أن نزف فأغرق فراشه وأخبروه أنه انتقل للسماء
رضا الذي قضى ليلته باكياً متروعاً من خشية الموت الذي لا يعلم كنهه سوى أنه انتقال لتلك السماء الواسعه من فوقه
رضا الذي بات ليلته باكياً مجاوراً لباب الدار فأغرقه المطر وأصابته الحمى ولم يفيق إلا على فراش المشفى وامرأة ترتدي الأبيض تتحدث مع أمه المكلومة والتي تصرخ باكية لاطمة وجنتيها بينما زوجان آخران من العيون يطلقان عليه الشرر
رضا الذي لم يفهم شئ لكنه سمع جملة المرأة جيداً
(إنها الدورة الشهرية )
لكن أليست تلك ما تأتي لأمه وحبيبة لكنها لا تأتي لأبيه ولا لطارق
لما تأتيه أم أنهم يتحدثون عن أحد غيره
رضا الذي اختض برعب لسهام الشر المصوب ناحيته فضم قبضتيه للفراش أسفله مغمضاً عينيه بشدة مستحضراً صورة نبيل الطيبة علها تغيثه
نبيل الذي لم يأتي أبداً ولم ينقذه من عذاباً كان أوياً متجبراً عليه
خرجت من ذكرياتها المريرة والوعي يعود لها لما يدور بين عبيدة وجميلة
عبيدة الذي كان العرق يتصبب منه لما يشهد من معجزة لم يتخيل يوماً أن تحدث حتى وإن وثق بوجودها الشرعي والعلمي
يناظر بقعة الدماء التي تكبر على ظهر جلباب رضا فتجحظ عيناه لاهجا بالذكر عل الغوث يعاونه
يرمش بعينيه لجميلة التي ناظرته بشفقة تعلم تلك اللحظة جيداً فقد مرت بها من قبل
لكن يبدو أن الشيخ بظروفه كان أضعف من تحملها
الشيخ الذي ترتعش شفتيه كلما حاول أن يوجه لها حديثاً أو يصفعها بسؤؤالاً
الشيخ الذي تتداخل أحرفه وتصطك أسنانه يسألها بتهدج تخلله الغضب العاجز لهول المصاب :-
" أتهذين ؟
اتهذين ؟
أي حيض ؟ أي حيض إنه رضا بن الأستاذ نبيل أخو طارق صاحبنا وأخو زوجة أخي
جيراننا منذ العمر وأخواننا مدى الحياة
بحق رب محمد ما الذي تهذين به يا فتاة ؟"

رواية هفهفت دِردارة الجوى حيث تعيش القصص. اكتشف الآن