الهفهفة السابعة 🍀💚

568 21 2
                                    

الهفهفة السابعة

أسفل شجرة الدردار جلست حليمة والراوي أمام الدار
تسرد على المسامع أن كان ياما كان ونذرت الليلة أن تتحدث عن حال الإنسان ..
أن كيف ينبهه الله لطريق الهداية فيتبع الشيطان لسبيل الغواية ...
يضع الله بين كفيه النعمة فلا ترى عيناه سوى موضع النقمة
لكنه لهذا إنساناً
بشراً خُلق هلوعاً
في الخير منوعاً وفي الشر جزوعاً
.....................

برودة مؤلمة تشن حربها على سائر أطرافها وكل حواسها تتشمشم حول شيئاً غير مريحاً تريد ألا تعرفه لكن روح الأنثى فيها تموت عويلاً أن تفعل
لما زوجها مسمر هكذا وكأنه تتلى عليه أيات الاحتضار ومن تلك التي تقف أمامه بذهول موجوع وجدت صداه داخلها لكنها لم تستطع إلا أن تجأر بغريزة البقاء وهي تسأله بثبوتية  لا تعلم لها كانت أم له أم لتلك الغريبة ؟
تعاود سؤالها بنبرة غلفها الاهتزاز رغم ثبات الحروف :-
"إسماعيل من هذة ؟"
ولم تكن الغريبة تحتاج أكثر من هذة الجملة لتتسع عيناها بفجيعة أصابت رحمها هي بركلة من طفلها
الغريبة التي تنقل نظراتها بينها وبين التمثال الذي بدا أنه يتمنى وضع التحنيط اللحظة على أن يعيش موقفا كهذا
كيان التي ترمش بعينيها تحاول أن تكذب أذنيها عن ما سمعت
لقد قالت إسماعيل مرتين وليس واحدة
أليس هذا هو اسم زوجها الرسمي بهويته ؟
ما الذي يفعله هنا ؟
ومن تلك المرأة التي خلفه بملابس البيت
لحظة لحظة
المرأة حامل
المرأة حامل بشهوراً متقدمة وكأن ولادتها اقتربت
لالالالالا هي تفهم خطأ بالتأكيد سلمان أتى هنا بالخطأ
لكن لما يرتدي ملابس بيتيه ؟
ألم يكن مسافراً
" من ... كيف ... أنا لا أفهم شئ "
همستها كيان بضعف ..بترجرج واهتزازاً مريعاً ظهرت براءتها من بين نبضات حرفه وعينيها الزائغتان تتحركان بلا ثبات
هي لم تكن موجوعة أبداً
لقد كانت أكثر براءة من تخيل وجيعة كهذة
وجيعة قضت عليها تماما والأخرى تنطق باهتزاز يماثلها لكنها بدت أكثر صلابة منها :-
"أتريدين شئ من إسماعيل زوجي ؟"

" اصمتي يا رقة كفى كفى " صرخها سلمان بغضب أهوج بدى كزمجرة أسد جريح تحينو له لحظة عرقلته فأسقطوه بلا قيامة
لكن الأخرى لما تحتاج أكثر من هذا
الأخرى غدت تهز رأسها كمجنونة تريد الخروج من براثن هذا الكابوس وهي تتراجع للخلف ثم تتخذ من السُلم حماية من رؤيتهم لتنزل درجاته راكضة دون أن تعاود النظر ورائها مرة أخرى حيث كلاهما
الغريبة بلا حرف الباء وقد احتله الميم ( الغريمة )
وزوجها هي سلمان الذي لم يكن سوى إسماعيل رشدان المالكي
ملكها بالاسم والشهرة واحتل روحها بالفعل والسطوة أما عن كينونة كونه إسماعيل فقد ملكته أخرى
الغريبة
بل الغريمة
غريبتان ؟
غريمتان
ظالمتان أم مظلومتان
أم هو محض قدر أوقعهم برجلاً عاشقاً كان أم أنانياً ربما لا تفرق كثيراً
رجلاً كان ينظر لزوجته الأخرى اللحظة وعالمه كله تحطم لأجل الأخرى
رجلاً كان يتمنى لو يختفى العالم كله قبل دقائق فقط ولا يشاهد انكساراً بعين كيانه
رجلاً يجلد نفسه بسطوة الذنب وهو ينظر لعيني الأخرى الغارقتين بدموعاً حبيسة شامخة وكأنها تعلم جيداً أن الأنكسار سيكون دثاراً لها فتتسلح له
الأخرى التي تهز رأسها بتساؤل غير منطوق تريد منه تفسيراً
تفسيراً أضعف هو من إنكاره وأجبن من إعلان إنكساره
تفسيراً لا يملك له تبريراً وقد ارتفع عن وجهه القناع البارد التي طالما مقتته
لقد بدا اللحظة إنساناً حقيقياً يتألم بل ينهار رويداً
بدا رجلاً عاشقاً فجع حبيبته ففٌجع فيها وليس لها بينهم إعراباً سوى ببروز بطنها
بروز بطنها الذي صدر عنه ركلات أوجعتها فأوهنتها وهي تتراجع لتسقط أرضاً جالسة بشحوب تتسائل بلعنة :-
" من هذة ؟"
" هي زوجتي " نطقها كشخص لم يعد يأبه لشئ بعد الذي حدث
تناظره بذهول وقد كان وقع إجابته مؤلماً حد النحر تتسائل :-
" كيف؟ لما ؟"
مط سلمان شفتيه بأسف مقيت وتحدث كاسماعيل وهو يقول بغضب مقهور :-
" منذ ست سنوات زوجتي ... منذ ما يقرب على ثمان سنوات حبيبتي "
أسبلت رقة أهدابها فانخفضت معهم روحها
لقد أخذا عينيها وضع إزهاق الروح
ركلات جنينها تزداد عنفاً وكلها تتنتفض من رأسها لأخمص قدميها
روحها كالنار الموقدة من هول ما تشعر به الأن
ثمانية سنوات .... ثمانية  سنوات
زوجتي ؟
حبيبتي ؟
أكان يكني أخرى غيرها بهذا ؟
الكلمات تتراقص أمام عينيها رقص النيران في الهشيم
النيران  التي تحرقها فترفع رأسها له بغية الانتفاض اعتراضاً لكنها لم تجده
لم تجد سوى السراب وقد ذهب وراء الأخرى فلم يكن لها منه سوى انتقاصاً
من هي ؟
الأولى أم الثانية ؟
زوجته أم الدخيلة ؟
ظالما هي أم مظلومة ؟
أحرف الحكاية تتراص أمام عينيها بتناسق الأن وقد اتضحت الرؤية الملعونة لكل سكناته المشفرة التي كانت تحاول فهمها
اختفائه الدائم وعدم مجيئه سوى مرات معدودة
مكالماته التي لا تتعدى الدقائق المعدودة
تهربه الدائم من الحديث وجمودة المسيطر على علاقتهم
حتى حين خضع لطلبها في نقلها قريباً منه في هذة الشقة خدعها أنه لايستطيع المبيت كل يوم معها لأجل العمل
ولم يكن سوى لأجل أن هناك أخرى
هناك زوجة
لحظاتها معه كلها كانت مسروقة
ورغم كل ما مرت به من نوائب رغم صلابتها إلا أنها كانت أضعف من أن تتحمل كل هذا فرحمها عقلها من نوبة جنون وشيكة بنوبة غياب عن الوعي سحبتها ....
..............................

رواية هفهفت دِردارة الجوى حيث تعيش القصص. اكتشف الآن