الجزء الأول من الفصل السابع عشر

579 27 11
                                    

أسفل شجرة الدِردار
ابتعد الراوي ركضاً عن باب الدار
فلتوه وصل وسمع صوت الشجار
ينادي ربما يصل صوته لحليمة
فيرد عليه صداه واشياً عن إنقاذها للصبية من مصائب سخيمة
..................

الجزء الأول من الفصل السابع عشر

اتسعت عيناه شاعراً بطنيناً مزعجاً في أذنه لوقع السؤال حتى أنه عقد حاجبيه متسائلاً باستنكار خرج جزعاً حد اللاتصديق :-
" ما الذي تقولينه يا حليمة ؟"
لكنها لم ترمش بعينيها لم تهتز ملامحها ولم يتحرك إنشاً من ثباتها
بل زاد جأشها وهي تقول بصرامة أمومة لا تَطَلُب ضعف :-
" أسألك يا بن رشدان هل يجوز زواج الخنثى ؟"
وبن رشدان ليس هنا
وكأنه ليس بحاضر
وكأنه ليس بمتعلم
هو اللحظة في حضرة المجهولية والجهل ولا يعرف من البشرية شيئاً سوى وسوسة شيطانه أن حليمة تحولت لامرأة مجذوبة
إذ كيف لها أن تسأل سؤالاً كهذا
ولما تسأل بالأساس ؟
ولا مجذوب هنا سواه وهو يضحك في غير موضع مذبهلاً يقول بلا تقدير أو شعور:-
" ما الذي تهذين به يا حليمة هل هذا وقته ؟"
"أخرس يا قليل الحياء أنا أهذي ؟"
تقولها بعتاب صارم جعله يفيق اللحظة
شئ أشبه بصفعة إيقاظ بين التفاتة رأس وعودتها فيهمس بتساؤل مرتعش :-
"أنتِ تسألين لأجل رضا ؟"
وبغباء يواصل كالذي يهرب خشية الوصول :-
"هل تريدون تزويجها لجميلة ؟"
ضربته حليمة بظاهر كفها في صدره بخشونه قائلة بتعنيف :-
" يا أقرع العقل أنزوج امرأة لامرأة ؟"
تراجع عبيدة جالساً على الكرسي وراؤه بوهن شاعراً بالأعياء يدب في سائر جسده حتى أنه يحاول التركيز على سحب المعلومات من دفتر ذاكرته فيعود يداه صفراً خائبيتين
وكأن ذاكرته واجتهاده وسنوات كده كلها تم محوها بلمح البصر
لا يذكر شئ كونه أزهرياً أو يفقه شيئاً من أحكام الدين
بل أن ما تسأله فيه أيسر اليسير لكنه ؟
لكنه لا يعرف شئ ؟
لما هو هنا بالأساس ولما عالق بتلك المصيبة التي لم يزر من إثمها طريق ؟
وهن على  وهن
وهن
يغزو خلاياه وهلاكاً يسطو على جسده فيبح صوته وكأن لا قدره له على لفظ قول أو محض جملة ؟
فرفع عينيه لها بعجز كمريضاً أهلكه مرضه يرفع كفيه بعجز يسألها العون فدمعت عينيها قهراً
رباه ما الذي يحل بأطفالها ؟
تنهت وتتحرك بخطواتها نحو الخارج حيث تلك الجلسة التي ينهشون فيها بعرض تلك الصبية وذاك الغلام
هذا يقول :-
" وما يدرينا أنها أنثى وليست بجني مسخر ؟"
وأخر يقول :-
" وإن كانت أنثى يا حاج ما الذي يدرينا أنها بكامل ختمها ؟"
ثم أخر ينهش :-
" وإن كانت مخنثة كما قال هذا الملعون صديق
ما يدرينا أن تكون ذو دم نجس فتفسد نسائنا وتغوي رجالنا "

"رباه " همستها بألم وكفيها على صدرها بينما عينيها لا تنفكان عن متابعة باب غرفتها حيث تقبع المسكينة
تدخل وسطهم بلا مقدمات وتقول بنبرة متجلدة :-
" كفى نهشاً بالأعراض ألا تتقون الله ؟"
" نحن في كارثة يا حليمة "
نطقها أحد الرجال فحانت بعينيها ناحية نبيل الذي مازال بقوقعة عظيم صدمته ثم طارق الذي أخرجه كل من أيوب وسلمان بعد أن كان هائجاً كالثور
ثم أشارت لهاشم أن يجاورها ففعل وسندها حتى أنه مال هامساً لأذنها بعزم وجلد:-
" أرى في عينيكِ عزم وثمة خشية
حليمة لا تخشى ورأسي تشم الهواء فلتقولي ولتفعلي ما تريدين ونحن هنا لأجل رضاءك "
تدمع عينيها وترتكن له ثم تسره بذهول وكأنها تريد أحداً يشاركها الحمل الثقيل :-
"إنها فتاة يا هاشم
رضا فتاة لقد رأيت ختمها "
ومضت عيناه بذهولاً لحظياً تجلد منه وهو يهمس بحذر دون أن تغفل أذناه عن الحديث الدائر والمشتد بين أبيه والرجال
" وما حكمكِ في الأمر ؟"
رمشت عينيها بخشية فزاد من تمسكه بها يومئ لها بعينيه لذا عادت وصدحت بصوتها مرة أخرى فعم الصمت مرة أخرى وهي تقول بجلد وبنبرة تهتز لها القلوب خشوعاً :-

رواية هفهفت دِردارة الجوى حيث تعيش القصص. اكتشف الآن