الهفهفة الخامسة

451 22 2
                                    

الهفهفة الخامسة ...
أسفل شجرة الدِردار جلست حليمة والراوي أمام الدار
تتغنى أن كان ياما كان وتسأل الراوي عن حال الفتى المدعو سلمان..
يبتسم الراوي خبثاً ثم يشير لها حيث يظهر من القصة قبساً
تشرد بعينيها في البرية فتعبس لما تراه يُخط گ الأحجية
الأحجار أمامها تدور فتخشى ما وجدته وعينيها تمور
تحزن وتلومه لما كتبه عليه من بلايا فيهز رأسه نفياً أنها نواياً
فسلمان نصيبه أن ينال هزيع الليل الأخير
لا الليل أدركه كاملاً ولا النهار تجلى عليه ...........

البلدة .. شقة هاشم وحبيبة ...

" أنا أعاني من بروداً جنسياً "
نطقتها بثبات تناظر وجهه الذي أصابه الذهول وقد ارتد وجهه للوراء وتدلى فمه هامساً بذهول وقد رمش بعينيه وكأنه يحاول اقحام هذا الغباء الذي سمعه إلى عقله حتى أنه هب واقفاً ناطقاً بغضباً عاتياً :-
" ماذا ؟"
يناظرها بجنون يشدها من عضديها قائلاً بغضب روعها :-
" هل جننتِ ؟
أتظنين أني غر صغير يا حبيبة لأصدق هذا الكلام ؟"

هزت حبيبة رأسها نفياً بقوة بثبات أبيه لعينيها أن تذرف دمعة زائدة
إنها معركة حبها بل معركة العمر فإما أن تكسبها قسراً وإما أن تخسره وهذا ما لن تقدر عليه
"أنا لا أكذب عليك يا هاشم أنا أقول الحقيقة "
اتسعت عيناه رفضاً ينفضها عنه صارخاً كمن مسته الشياطين :-
" هراء هراء
أنا لست أحمقاً حتى لا أشعر بالمرأة التي معي "

" الأمر ليس قديماً إنه بروداً حدث ما بعد الولادة "

دمعت عينيها وواصلت بمرارة كانت صادقة :-
" كنت أحاول أن أخفيه عنك بشتى الطرق فهل تستطيع أن تفرق بين التمثيل والحقيقة "

تراجع خطوة للوراء قائلاً بنبرة جزعة نافرة من نفسه قبلها :-
" هل تريدين أخباري أن كل هذه السنوات كنتِ تجيدين تمثيل العاطفة بينما أنتِ أبعد ما يكون عنها وأنا لم أشعر ؟"

تألمت ولعنت نفسها حتى أنها تريد أن تنهار باكية اللحظة أسفل قدميه تخبره بالحقيقة متوسلة ألا يصيبه جرحاً ولا يمس كرامته خدشاً
تخبره أنها كلها فدى أن تمس كينونته كهاشم المالكي فيشعر أنها تنفره لعيباً منه
تجلدت تخفي ارتباكها وارتجاف جسدها لا تحيد بعينيها عن عينيه وتسأله بنبرة امرأة تحفظ ثغرات زوجها :-
"ألم تشعر حقاً يا هاشم ؟"
زاغت عيناه اضطرابا وكأنه يبحث داخل عقله عن شيئاً كهذا فاقتربت منه باكية متألمة ولائمة :-
"ألم تشعر بأجفالي أبداً ونحن معاً
ألم تشعر بتصلبي وأنا معك ,ألم يلفت انتباهك عدم طلبي للأمر أبداً كما قبل ولادتي ؟
لم أرتدي لك غلالة ولم أتزين أو أرتدي ما تحب
تهربي من العلاقة نفسها لا منك أنت ألم يلفت انتباهك هذا أبداً ؟
غير هذا أريد أن أؤكد لك يمكن للمرأة أن تكره الأمر دون أن تشعر زوجها بهذا "
تهاجمه صوتاً حتى لا يغلبها فعلاً وتأخذه على حين غرة مستغلة ارتباطه وصدمته
عاد هاشم خطوة للوراء يهز رأسه نفياً قائلاً بغضب :-
" هل تحاولين التشويش علي ؟"
جزت حبيبة على شفتيها واقتربت منه قائلة بثبات :-
" أخبرني يا هاشم وكلمة حق منك
هل شعرت يوماً أني أتباعد عنك إلا فيما يخص علاقتنا الخاصة ؟"
ناظرها هاشم بتدقيق دون أن يظهر على وجهه شئ  لا يعلم لما لا يخيل عليه الأمر
حبيبة الغبية خلاف أنها تظنه صغيراً ساذجاً لا تعرف أنها طفلته المدللة التي يحفظها عن ظهر قلب
عض باطن شفته حتى شعر بطعم دماء صدأ يجاريها بهدوء :-
"لا لم يحدث "
أطرقت برأسها تحتضن نفسها بذراعيها تسأله بنبرة تعلم كم تؤثر به :-
" ألا تصدقني الأن ؟"
صمت هاشم الطويل أرجفها حتى أنها أرادت الصراخ فيه أن يفهم أن  يجاريها ولا يتركها أبداً لكنه أجفلها وهو يسأل بجمود  :-
" لما لم تخبريني أو تصارحيني بالأمر قبلاً ؟"
ارتعشت من رأسها لأخمص قدميها ودعت الله ألا يكون شيئاً كهذا ظاهراً له فتحركت حتى وقفت أمامه قائلة بارتعاش البكاء حتى أنه شعر اللحظة أنها تتوسله شئ لا يفهمه :-
"وهل يمكن للمرأة أن تخبر زوجها حبيبها أنها باردة معه  يا هاشم
هل كنت ستتفهم شئ كهذا إن صارحتك
هل تتقبله الآن يا هاشم ؟"
نظرته الثاقبة لأعماق روحها لم تصمد أمامها الكثير إذ سرعان ما كانت تطرق برأسها جزعاً
أما هو فكان يناظرها اللحظة بخيبة مريرة وغضباً شديداً
خيبة لأنه لم يصدق حرفاً مما نطقت به وغضباً لأنه يريد أن يشبعها ضرباً اللحظة لأن ما قالته كان كحبل نجاة لقلبه وكحجة لروحه العاشقة له ليتراجع عما أنتواه
رفعت عينيها الجميلتين له فبدت كطفلة مذنبة تخشى مصارحة ذنبها
تمد كفيها على صدره فيجز على أسنانه يقاوم شوقاً مبرحاً ليطرحها اللحظة غراماً يثبت لها كذبها فيما تقول لكنه لم يفعل هذا بل أنزل كفيها ناطقاً بهدوءاً يشبه جليداً يغشى العاصفة :-
" ليس سؤالاً يا حبيبة أنا أتقبلك بكل حالاتك "
ثم تركها وخرج من الشقة كلها فانهارت باكية إذ أن وقع جملته الأخيرة جلد روحها التي تحبه كمعنى للحياة تفقد رونقها دونه ...
حياتهم تنهار ولا تعرف كيف لها أن تلملمها دون خسارة
حياتهم التي خارجها زاهياً مثيراً لحسد من يراهم وداخلها خراباً يتفشى
زاهياً ندياً گ أوراق الورد وخراباً نتناً كماء البِرك
وبعد وقت كان يجلس بالمزرعة يراقب حركة العمال الدؤوب وعقله هناك معها
حبيبة القاسم كاذبة فاشلة من الطراز الأول
يكفي أن تنظر له بعينيها فتخبراه عن غباء صاحبتهما
صاحبتهما التي تملكته فأحالت أيامه مراراً علقماً بعد أن كانت بدايتها خيالية
لما كذبت حبيبة كذبة كهذه إلا لو كان الأمر جللاً
هل تظنه غبياً حتى لا يعرف أي امرأة حارة تزوجها
عاشقة ؟
تردد بالفكرة الأخيرة فلم يعد يعرف شيئاً
ما هو متأكد منه كذبها المريع إذ أن الأمر لو كان حقيقياً لم تكن لتصمد على ذمته لحظة فهو يعرف اعتداداها بنفسها جيداً وكيف ستستنكر لأحد أن يعرف شيئاً يهين أنوثتها كهذا
لكن ما الذي يجبر زوجته لتتهم نفسها تهمة كهذه ؟
ماذا تخفي حبيبة عنه ؟
" هل أصنع لك الشاي يا سيدي هاشم ؟"
رمش هاشم بعينيه قاطباً ينظر لتلك الفتاة الصغيرة التي تحدثه فهز رأسه نفياً يصرفها بلا اهتمام لكن عاد ونظر في أثرها باستغراب فنادى شحاتة الذي أتى مهرولاً :-
" اؤمر يا معلم ؟"
أشار هاشم للفتاة وهو يسأله قائلاً :-
" من هذه الفتاة وماذا تعمل هنا ومتى أتت بالأساس ؟"
ناظره شحاتة بتدقيق يتسائل بنفسه لو أن معلمه فقد الذاكرة إلا أنه تنحنح قائلاً :-
" إنها خضرة ابنة مسعدة يا معلم تأتي بالأعياد لتنظيف الكرشة وأحشاء البهيمة  وخلافه ألا تتذكرها "
حدجه هاشم بزجر جعله يتنحنح ويواصل :-
" أمها مسعدة التي تحلب البقر وقد أتت منذ أيام نيابة عن أمها "
أومأ هاشم يصرفه بيده يمط شفتيه بلا اهتمام وأفكاره تتقوقع حول واحدة
حبيبة القاسم..

رواية هفهفت دِردارة الجوى حيث تعيش القصص. اكتشف الآن