الفصل الرابع والعشرين

3.3K 74 0
                                    

رغم مرور ثلاثة أيام على الواقعة المشئومة إلا أن رابح مازال يسبح فى عالم آخر داخل هوة سوداء عميقة تكتنف عقله المكلوم ربما يهرب من قسوة ما حدث له ولأسرته وربما يعطى الفرصة لجسده المنهك ليتماسك ويرأب صدع جراحه النفسية والجسدية

أما زوجته فترقد فى نفس المستشفى ليست ببعيدة عنه تعانى من انهيار عصبى حاد إلى جانب جراح جسدها الضعيف الواهى

جلست هناء بجانبها فى غرفتها بالمشفى تحاول إطعامها ولكن ريم رافضة للطعام تماماً ولا تتوقف عن البكاء والانتحاب والسؤال عن زوجها التى لا تعلم عنه شئ

منذ استفاقت ووجدت نفسها فى هذه الغرفة وأخر ما تتذكره وجهه المشوه بالدماء والجروح، يتفحصها بعين واحدة سليمة تحمل معانى الهلع والرعب على حالها

قامت هناء باحتضانها ومواستها لتُهدئ من نوبات بكائها المستمر، مسدت على ظهرها بحنو قائلة بنبرة هادئة

: أهدى يا حبيبتى شوية ... حرام عليكى نفسك

التقطت ريم نفسها بصعوبة وقالت بصوت مبحوح وخافت من شدة بكائها

: ابنى وجوزى سابونى ... بقيت لوحدى خلاص

التقطت هناء مناديل من فوق الكومود بجانبها ومسحت دموع ريم برقة قائلة بحزن

: لا إله إلا الله ... إن شاء الله هنطمن على رابح وهيبقى كويس

هزت ريم رأسها غير مصدقة وركزت بصرها على وجه هناء تتوسل إليها بصوت مهزوز

: طب لو عايش زى ما بتقولى خدينى أشوفه وأريح قلبى ... منعنى من إنى أشوفه ليه

ربتت هناء على كتفها مطمئنة إياها وقد ترقرقت عيونها بالدموع بآسى على حال صديقتها وقالت تحاول طمأنتها وهى تشير إلى الأنابيب البلاستيكية الموصلة إلى ذراعها

: هتشوفيه وتطمنى عليه إن شاء الله ... هو ممنوع عنه الزيارة دلوقتى وأنتى كمان لازم تاكلى عشان تقدرى تقفى على رجليكى بدل المحاليل للى عايشة عليها ديه

سالت العبرات من مقلتى ريم كشلال منهمر وهمست بخفوت وحزن

: أرتاح إزاى ... كل حاجة ضاعت منهم لله ... ابنى حبيبى قتلوه كنت بحس به جوايا وهو بيكبر يوم بعد يوم ... كنت منتظراه بفارغ الصبر عشان يفرحنى ويفرح أبوه

زاد نحيبها حين ذكرت كلمة (أبوه) فهمست باسمه بلوعة عدة مرات وقلبها يعتصره الألم

حولت هناء رأسها نحو زوجها الجالس على مقعد معدنى بجمود بجانب باب الغرفة و يبدو أن عقله حمله إلى عالم آخر، عالم مرعب ومخيف وهو يستعيد ما رآه بتلك الليلة المشئومة

من وقت أن أيقظته زوجته هناء بتخوف، فتح عينيه بتكاسل ونظر نحوها قائلاً بتذمر

: مالم يا هنا .. نامى .. نامى الله يهديكى

نبــض خافتحيث تعيش القصص. اكتشف الآن