سارت بـحارة اللحـام بخُطواتها المُتعبة أثر تلك الحقيبة التي كانت تضعها على ظهرها، وأخرى تمسكها بيدها، لتتوقف من أمام البناية المنشودة، قامت بوضع الحقيبة التي بيدها على الأرض وهي مازالت تُطالعها بعينيها التي أظهرت خوفها من عدم مُلاقاة ما تتمناه، دُعاء ظل يتكرر من داخلها وسط دقات قلبٍ تدق بشدة، بللت شفتيها التي أمتزجت بطعمٍ مالح أثر حرارة الجو، لتبتلع ريقها من بعد ذلك وهي توجه رأسها نحو الورشة القابعة بجانب باب البناية، ثم أقتربت منها قليلاً بعدما أمسكت بحقيبتها، تنظر لمن بداخلها أثناء قولها بنبرة عالية تصل إليه:
-" بگولك لو سمحت، هي الست ثُريا بتاعة الأكل البيتي ساكنة هنا؟".
انتبه لها جلال، ليترك ما بيديه وهو ينهض يقترب من موقعها أثناء ارتكازه بيديه على تلك الطاولة التي كان يضع عليها معداته، والتي كانت أيضاً تُفصل بينه وبينها، ليعقد حاجبيه بغرابة من سؤالها، ولكنه أومأ برأسه مُجيباً بنبرة هادئة:
-" أيوة، أنتِ عايزاها؟".
تنهدت تلك الفتاة براحة تخللت صدرها بعدما وصلت إلى القليل فقط مما ببالها، لتمسك بذراع الحقيبة التي كانت تضعها على ظهرها وهي تُعدل من وضعيتها أثناء قولها بنبرة مُتلهفة:
-" أيوة هي عارفة إني چيالها، هي مستنياني".
لتعقد حاجبيها فور إنهاءها حديثها ببلاهة، سُرعان ما تحدثت قائلة بنبرة حانقة وهي تنظر له:
-" وأنا بقولك ليه أصلاً، وأنت مالك".
رفع جلال حاحبيه بدهشةٍ حقيقية مما قالته، ليبتسم إبتسامته الجانبية التي دوماً ما تجعل عينيه تضيق بتلك الطريقة، حتى تحدث قائلاً بنبرة لم تتفهمها:
-" وأنا مالي؟ وأنا مالي فعلاً".
حتى ترك ما بيده بقوة جعلتها تبتعد بفزع أثر تحوله بتلك الطريقة وهو يُطالعها بغضبٍ دفين، ليتحرك بخطواته القليلة نحو باب المدخل، يقوم بغلقه بقوة، ثم ألتفت ليعود مرة أخرى إلى ما كان يفعله غير مُكترثاً بها أثناء قوله بعدم إهتمام:
-" خلي بقى إللي ماله ييجي يطلعك".
توسعت أعينها بدهشة بعدما أدركت ما قام بفعله، لتلوح له بيدها وهي تقول بنبرة مُنفعلة:
-" ما هو أنت مين علشان تسألني سؤال زي دِة؟ أنا مش فاهمة والله، الناس بقت حشرية چداً".
عاد جلال بنظره إليها مرة أخرى بعدما لاحظ طريقتها، ليُقرب إصبعه نحو فمه يدور به أثناء قوله بجدية من وسط نظرات عينيه المُحذرة:
-" أنا عايزك تكتري في الكلام، علشان تلاقي نفسك برة شُبرا كلها".
استشعرت من حديثه إحتمالية قرابته من ثُريا، لتبتلع ريقها وهي تطالعه بتفكير، حتى رمقته قليلاً بسخط، لتتحدث من بعد ذلك قائلة بنبرة حاولت عدم مزجها بحنقها نحوه:
أنت تقرأ
حارة اللحام.
Adventureتفاصيل صغيرة، وغير مُهمة، كحُلم أردته دوماً ولم تحصُل عليه، إنقطعت آمالك بمُطالبته مجدداً، كأن روحك أصبحت خالية من شعور التمني. تقف فوق رأسك بومة يأس، تبعث لك الشعور بالظلام، الذي إذا نفد، ستُحاول شرائه بماء العين. شعور بالغُربة وسط تكدس، كأنك تدور...