بينما تجلس ثُريا على الأريكة تقوم بتنقية الأرز بمزاجٍ لم يكتمل صفاؤه، تتحدث هي بثرثرةٍ لم تتوقف وكأنها لم تتسنى لها الفُرصة بإبتلاع ريقها، أثناء وقوفها على يد المقعد تقوم بوضع الستائر بأماكنها قائلة:
-" لأ وكل يوم تطلع تكنس قدام عتبة الباب والسلم، أنا مش فاهمة يعني هي بتلمح لإيه! طب دة أنا مكنش يعدي عليا أسبوع غير وأنا مسيقاله الشقة من تحتيها لفوقيها، تيجي تتفرج وتشوف الشغل على أصوله بيبقى عامل إزاي، وبردوا مش هقولها".
أغلقت ثُريا جفنيها بعدما اهتز بؤبؤيها وكأن رؤيتها تشتت أثر صُداع رأسها التي شعرت به من ثرثرتها، بينما تستكمل الأخرى دون توقف تقول بنبرة حانقة:
-" وسألت على فكرة دكتور نُصير على أكلها وقالي أكلها حلو.. مكلفش خاطره حتى يقولي أكلها ميجيش جنب أكلك حاجة يا حورية، دة إيه الناس إللي مبيطمرش فيهم حاجة دول! طب دة أنا كنت أسيب إللي ورايا وإللي قدامي وأدخل اعملهم صواني الكنافة والبسبوسة والكيكة ولامؤخذة يعني ينسفوهم، وفي الآخر شكراً بالنسبالهم هي كوبايتين شاي يا حورية ولو فاضل من الكيكة هاتيها!".
لتتنهد وهي تهبط تمسك بقطعة القُماش الكبيرة تنظف بها من حولها بينما تستكمل كلماتها تلك المرة بعدم إهتمامٍ ظهر على وجهها:
-" أنا أساساً الموضوع كله مش فارق معايا، أنا خلاص الحمدلله لقيت شغل أحسن، آه بتمرمط بردوا وباخد في الآخر ملاليم بس أهو أحسن ما أشتغل مع واحد كل شوية يقولي، امشي يا حورية، روحي يا حورية، دة تعبني في عيشتي".
تركت ثُريا ما بيديها على حين غرة بعدما شعرت بنفاد صبرها وعدم مقدرتها على تحمُل ثرثرتها أكثر من ذلك وهي تقول بنبرة حادة:
-" يـا شيخـة دة أنـتِ إللي تعبتيني في عيشتـي، أنتِ مبتفصليـش؟ من ساعة ما جيتي وأنتِ بترغي في نفس الموضوع يا حورية، الولية غايظاكي أوي كدة ياختي؟".
رفعت حورية حاجباً من حاجبيها تزامناً مع رفعها لجانب شفتها أيضاً وهي تقول بنبرة حانقة أظهرت كبرياؤها وثقتها بما تفعله هي:
-" مين دي إللي تغيظني؟ خالتي أمينة؟ طب أنا عايزاكي تنزلي تشوفي الشقة عاملة إزاي بقى، دي ولا كأنها واخدة وش القفص، التراب تحت الكنب باين من وأنا واقفة على باب الشقة، وأنا متأكدة بقى على فكرة إن أكلي أحسن منها، وهو أنا يعني محتاجة لرأي دكتور نُصير ولا غيره!".
لوحت ثُريا برأسها بعدم تصديقٍ منها وهي تستغفر ربها، لتترك حورية ما بيديها عندما استمعت إلى باب الشقة الذي دق. اتجهت إليه تقوم بفتحه لتجد أمامها ميسون، وزاد التي كانت تمسك بيديها عُلبة صغيرة، افسحت لهم حورية الطريق لتجعلهم يولجون بينما تقول بنبرة حانقة وهي تُطالعهم:
أنت تقرأ
حارة اللحام.
Aventuraتفاصيل صغيرة، وغير مُهمة، كحُلم أردته دوماً ولم تحصُل عليه، إنقطعت آمالك بمُطالبته مجدداً، كأن روحك أصبحت خالية من شعور التمني. تقف فوق رأسك بومة يأس، تبعث لك الشعور بالظلام، الذي إذا نفد، ستُحاول شرائه بماء العين. شعور بالغُربة وسط تكدس، كأنك تدور...