بمنزل دوماً ما تملئه رائحة طعام يُصنع بواسطة اِمرأة بارعة تتفنن به. لأول مرة يتم عمل كمية كبيرة من طعامٍ لزوار وافدين ومُتمنيين السرور والمُباركات من أجل اثنين سيُعقد عليهم عقدٍ جديد ليلاً. قامت حورية بإطلاق زغرودة مُرتفعة على حين غفلة أظهرت سعادتها بعدما تركت ما بيديها، وسط نظرات كلاً من ثُريا، وميسون، وزاد، وهاجر من أمامها وهن يضحكون، لتتغنى من بعد ذلك بصوتِها المُميز تقول بمرح:
-" سجل يا تاريخ كدة سجل.. ودعنا حياة السنجل".
ضحكت ثُريا على ما تقوله وهي تلوح برأسها مُتسائلة من بين ضحكاتها:
-" أنتِ بتجيبي الاغاني دي منين".
ضيقت حورية جفنيها وهي تُشير لها بيدها قائلة بجدية:
-" أنا عارفة إنهم مش على هواكي، ناوليني بقى الطبق إللي جنبك دة".
انتبهت ثُريا إلى زاد التي سحبته لتُعطيه لها، حتى أعتدلت حورية في جلستها تنفض يديها مما كانت تمسك به أثر جلوسهم جميعهم بأرض المطبخ. أمسكت بالطبق البيضاوي لتضعه بين ذراعها وقدمها تحكُم إمساكه بتلك الطريقة، ثم بدأت بالتطبيل عليه وهي تقول بصوتٍ عالي لم يُغير من جمال بحتها شيء:
-" دقّوا المزاهر يلا يا أهل البيت تعالوا.. جمّع ووفّق والله وصدقوا اللي قالوا".
أعجبت ثُريا بتلك الأثناء بالأغنية، لتترك ما بيديها هي الأخرى حتى بدأت بالتصفيق لها وهي تُزغرد بصوتٍ مُرتفع وسط جلوس الفتيات يشاركونهم التصفيق وهن يضحكون، وبالرغم من عدم مُشاركتهم لها الغِناء إلا أنها استكملت بنفس صوتها تقول:
-" عين الحسود فيها عود يا حلاوة.. عريس قمر.. وعروسته نقاوة".
سُرعان ما أعتدلت في جلستها وكأنها على وشك التحدُث بصوت أعلى بينما ترفع نبرة صوتها أكثر وكأنها تُريد للجميع أن يسمعون ما تقوله:
-" وإحنـا الليلـة دي كيـدنا الأعـادي".
ضحكت الفتيات من بينهم ثُريا التي ضحكت بملء صدرها مما تفعله، لتلوح حورية بكتفيها وهي تنظر إلى زاد تقوم بمُبادلتها النظرات الغنجية والمُدللة أثناء قولها:
-" وأدي العريس اسم الله على حسنه وجماله.. قيدوا الشموع واتهنّوا الليلة.. عقبالهم كل حبايب العيلة.. تبقى السعادة سكّر زيادة.. قولوا معايا إن شاء الله يا ربّي يخلّيهاله".
رفعت ثُريا رأسها بتلك اللحظة تدعي لهم من قلبها وتتمنى من الله أن يُصلح حالها ويرزقها راحة البال، وأن تكون تلك الزيجة بمثابة علاج لروحها المفقودة، ثم وزعت نظراتها بين كلاً من زاد وحورية وهي تبتسم لهما قائلة بنبرة مُحبة حنونة:
-" عقبالكم يا رب، أفرح بيكم أنتوا كمان".
ابتسمت لها زاد وهي تدنو برأسها تستكمل ما تفعله، سُرعان ما نهضت حورية تقول بنبرة مُتوعدة:
أنت تقرأ
حارة اللحام.
مغامرةتفاصيل صغيرة، وغير مُهمة، كحُلم أردته دوماً ولم تحصُل عليه، إنقطعت آمالك بمُطالبته مجدداً، كأن روحك أصبحت خالية من شعور التمني. تقف فوق رأسك بومة يأس، تبعث لك الشعور بالظلام، الذي إذا نفد، ستُحاول شرائه بماء العين. شعور بالغُربة وسط تكدس، كأنك تدور...