الثامن و الثلاثـون.

3.5K 121 55
                                    

  البارت ما قبل الأخير.

---

لقد مرت ستة أيام، ستة أيام ثقيلة كالجحيم على هيبر، محفورة في ذاكرته كجرح لا يندمل. كل لحظة تمر، كانت تطيل في عذابه، كعقارب ساعة تتوقف عند حافة الموت. كان جالسًا على الأرضية الباردة لممر المستشفى، ظهره منحنٍ، ورأسه مثقلٌ بين قدميه. كانت عيناه تغفيان من الإرهاق، لكنه كان يستيقظ على الفور، وكأن كابوسًا دائمًا يطارده، يذكره بأن زاك قد يستيقظ في أية لحظة، دون أن يكون إلى جانبه.

رفع هيبر رأسه ببطء، عينيه منتفختان من السهر والبكاء، الهالات السوداء المحيطة بهما جعلته يبدو وكأنه رجل قد عبر سبع جحيمات. نظر حوله؛ الممر كان فارغاً تماماً، لا أحد يهتم، لا أحد يشعر بما يمر به. كان المكان باردًا وصامتًا.

لم يُسمح له حتى بالنظر إلى زاك من خلف الزجاج، لقد قالوا له ببرود أنه لا يقربه، وأنه مجرد غريب، كلماتهم كانت كالسكين تخترق قلبه، تجعل الألم يتضاعف. ولكن الأشد قسوة من كل ذلك، هو أن زاك لم يُظهر أي تحسن. ستة أيام وزاك مستلقٍ في غرفة العناية المركزة، محاطًا بأجهزة الحياة الصناعية، دون حركة، دون أمل.

تذكر كلام الطبيب الذي قال له: "حتى لو استيقظ، لن يعود كما كان." كان ذلك كإعلان موت بطيء، كطعنات لا تنتهي في قلب هيبر. فكر هيبر، نظر بعينين محمرتين من الإجهاد، ودموع كامنة تنتظر لحظة الانفجار. ماذا لو لم ينجُ زاك؟ ماذا لو أن مايك وروني أطلقا سراحه عندما كان قد فات الأوان؟ لو لم يستيقظ ذلك البصيص من الرحمة في قلب روني، لكان زاك الآن مجرد جثة هامدة.

لكن الآن... ما الفرق بينه وبين الميت؟ لا حراك، لا صوت، لا حياة. كان جسده متصلًا بأجهزة التنفس، وكأنها خيوط رفيعة بينه وبين الموت. لو سحبت هذه الأجهزة، لكان هذا النهاية الحقيقية.

شد هيبر شعره بقبضة من غضب وألم،  يحاول إيقاظ نفسه من هذا الكابوس المستمر. تساءل بينه وبين نفسه، هل سيظل الأمر هكذا؟ ممنوعٌ عليه حتى النظر إليه؟ لا يستطيع حتى أن يتلمس دفء زجاج نافذة الغرفة ليشعر بوجوده، وكلما مر الوقت، كانت فكرة استيقاظ زاك تبتعد أكثر فأكثر، وكأنها نجم بعيد يتلاشى في الظلام.

لم يكن يعلم ماذا عليه أن يفعل. كيف يمكن أن يُحرم من رؤية الشخص الذي يعني له كل شيء؟ الشخص الذي أخبره يومًا أنه لن يتركه أبدًا، وأنهما سيواجهان كل شيء معًا. والآن، كان زاك خلف الجدران، خلف الزجاج، خلف سدٍ من الصمت، ولا أحد يعلم إن كان سيعود إلى الحياة أم لا.

كان كل ما يتمناه هو لحظة واحدة، نظرة أخيرة، لمسة أخيرة، كلمة أخيرة. لكن المستشفى، والقوانين، والقدر، كانوا جميعًا يقفون ضده، كجدار عازل لا يمكن اختراقه.

لُعبته.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن