الجزء 22

1.2K 24 9
                                    

من حضه حصل على الغرفة ذات النافذة المطلة على الشارع فكان لا يلبث كثيرا الا ويطل منها و ينظر الى بيت نسمة بتمعن يرجو ان يراها و لو خلسة ليطفي ضمأه منها و يروي عطش عينيه الجائعتين لمرآها لكنه لم يلمحها طوال الليلة التي مكث بها هناك .
كانت هي بالمقابل تقفل عليها غرفتها و تمتنع عن الاكل و الشرب و قد بدأت بالذبول و الشحوب ..
في الغد انطلق الى منزله بالغرب و رجع بحقيبة بها ملابسه و بعض ملابسها التي لبستها فعلقت بها رائحتها ولم ينسى تلك الاحذية الشتوية التي ابتاعها من اجلها يوم وجد هناك عمته كاميليا و ابنتها فيكتوريا فقدمها اليها تحت انظارهما و كانت فرحتها لا توصف و هي تجربها و تنط هنا و هناك ... اعتصر قلبه لهذه الذكرى و اضلمت عيناه فخرج يستنشق بعض الهواء بالخارج و ضل يمشي و هو يزفر في ضيق يحاول تدارك ما يمر بذهنه من ذكريات بسيطة جعلته يدمن تلك الشقية ، تذكر عندما كان يمنعها من الاكل معه فكانت تتحداه و تأكل رغما عنه و من طبقه بالذات لتغيضه ، تذكر اول مرة لمس وجهها عندما اختطفها و هددته بانها ستنتقم منه عاجلا ام آجلا ، ليتها تعود و تنتقم ، ليتها تفعل ، فقط فلتكن معه و ليمت بين يديها لا شيء يهم ...
رجع الى الحي فوجد مجموعة من الاطفال بينهم بعض الفتيات يلعبون بالحبل و عندما رأته فتاة صغيرة جرت نحوه و امسكت بسرواله و هي تهتف
- وااااو يا لك من وسيم ، هل انت معني
-معني ؟؟ (انحنى لمستواها و نضر لوجهها اللطيف) ماذا تقصدين ياصغيرتي ..؟
-انا لست صعيلتك ألجوك احتلمني انا فتاة ناجضة
-( ضحك رغم ما يكتسيه من حزن ) اااه فهمت الآن ، اولا انا لست مغني يا صغيرتي ، ثانية اسمها ناضجة و ليست ناجضة
-احم احم اعتذل عن حطئي يا وسيم .. هيا احملني !
-ماذا هههههه و ماذا ستعطيني في المقابل ؟
-كل سباب الحي يحملونني كي اكبلهم ( وتضاهرت بالخجل )
حملها و هو يضحك على لهجتها الطريفة فقبلت وجنته برقة ذكرته بقبلة نسمة على خده اول مرة فضعف قلبه و تغيرت ملامحه
-ما بك ؟ الم تحب كبلتي ؟
-لا ابدا لقد كانت قبلة رائعة (وابتسم بلطف)
-على فكلة هناك فتاة تنظل اليك يا وسيم هل تلك زوحتك يبدو انها تعال مني
نضر بسرعة وراءه و هو يضع الطفلة عل الارض و لمح ضلا يتوارى خلف ستارة النافذة من بيت جدة نسمة ، خفق قلبه بعنف حتى ضن ان كل هؤلاء الاطفال يسمعونه يقرع كالطبل في عيد ما .. بقي ينظر الى النافذة و هو غير مصدق هل كانت تنضر اليه هو ؟ هل نسمة كانت هي من تراه قبل قليل ؟ ارتعش جسمه لمجرد التفكير ان عيناها الزيتونيتان كانتا تحدقان به وانتعشت روحه فقد كاد يصيح فرحا و هو يفكر في انها كانت تتمعن فيه و هو في غفلة عن ذلك فقرر ان يذهب بكل هؤلاء الاطفال الى البقال و يشتري لكل منهم ما يريد و قد فعل ذلك و ضل الاطفال يدورون حوله في سرور و هم يهتفون
-يعيش الوسيم .يعيش الوسيم
ولم تسعه فرحته انه ذهب الى ذلك المنزل المتواضع و قبل رأس ذلك الرجل المسن اكثر من خمسين مرة و هو يردد له انه سيدفع له اجر الغرفة مضاعفا وكان العجوز فرحا ليس لانه سيحصل على اجر مضاعف بل لانه يرى لمعة من الامل في عيني هذا الشاب الذي استقر بقلبه منذ اول يوم سكن معه .
في البيت المجاور كان جسد ينتفض بشدة امام النافذة ، تلك نسمة عندما رأته انه هو لن تخطأه ما حييت ، جسده الممشوق بعضلاته المنشدة ، شعره الاسود الناعم تنخفض بعض الخصلات الثائرة منه على وجهه القمحي ، لكن ما احزنها و قتلها هو ابتسامته تلك يبدو انه لم تهتز له خلية مما فعل بل استمر في حياته بكل برود .. نزلت دموعها تسابق بعضها على وجنتها المصفرة و سقطت على يدها التي لا زالت تمسك بها الستار منذ انذاك ، احست بيد تربت على كتفها بحنان فالتفت و عانقت جدتها برقة
-لو فقط تخبريني ما بك يا بنيتي
-لا شيء جدتي لا شيء لا تهتمي انا بخير
مدت روزالي يدها الى وجنة حفيذتها تمسح دموعها و قالت في تفهم بالغ ارتاحت له نسمة
-لا بأس ، لكني سانتظر ان تحكي لجدتك العجوز
اومأت نسمة برأسها و غادرت الى غرفتها و انشغلت بالتطريز المحبب إليها الى ان نامت
مر اسبوع على حالتها و هي تضل في غرفتها لا تخرج سوى للاكل ، اما باسل فقد اندمج تماما مع سكان الحي و احبهم صغارا و كبارا و كانت تلك الشقية "لارا"
تلحقه الى كل مكان منذ ذلك اليوم عندما قبلته حتى انه كان يستأذن والديها و يأخذها معه في جولات الى وسط المدينة و كانا يوفقان بصدر رحب فقد التمسا في باسل روح الأبوة و الشغف بالاطفال ، فتطور الامر ان اصبح يصطحب كل اطفال الحي الى الملاهي يحاول بذلك الهاء نفسه عن محبوبته ..
ذات يوم قرر ان يذهب الى العيادة علها تكون هناك لكنه صدم عندما وجد اعلانا بفصلها لسبب تغيبها عن العمل بدون عذر فاحس بذنبه اثقل على صدره .
و بينما هو عائد للبيت وجد عجوزا تحمل اكياسا ممتلئة من الاشياء فاسرع يحمل عنها و شكرت له صنيعه و هما في طريقهما معا فقد اتضح صدفة انها تسكن بنفس حيه
-هل انت هو البطل الوسيم ؟
-ههههه هل اصبحت معروفا لهذه الدرجة ؟
-سيرتك على كل لسان ..بارك الله فيك يا بني و حماك من عنده
-شكرا لكي سيدتي ، اين هو بيتك بالظبط ؟
-ذلك ( واشارت بيدها على بيت ما)
صعق من الصدمة و نظر بذهول للمسنة يتفحصها ، جدة نسمة ، لقد رآها مرة ام اثنين لكنه لم يتفحص ملامحها جيدا وبالتالي لم يتعرف عليها ، شعر انه يخطو خطوة كبيرة لمبتغاه فقد دعا الله كثيرا في صلاته ان يعطيه فرصة ليصلح خطأه فربما مداومته عل صلاته خاصة الفجر و قراءته للقرآن يوميا حتى يخر باكيا و هو يتحسر على ما فعل بفتاة ما من ذنب لها و يتوسل ربه ان يغفر له ، ساعدته على الاقتراب من المواجهة .
وقف امام البيت ينظر الى الارض لا يستطيع رفع انظاره و كلما اقترب صوت خطى نسمة لتفتح الباب كلما اجتاحته مشاعر مختلفة : اسف ، حنين ، حب ، أسى ثم خوف ...هو من لا يخاف الا ربه صار يضعف امام امرأة جعلت منه هلاما و ربما ذلك من صنع يديه . اغمض عينيه بشدة عندما فتح الباب اعاد فتحهما كأنه يقنع نفسه انه بحلم لا غير ، رفع انظاره ببطأ ليتأملها فوجدها تنظر له بدهشة ممتزجة بغضب ، و ما لبثت ان ارتدت قناع اللامبالاة و هتفت قائلة
-ااه جدتي ، لما لم تستدعني كي اذهب معكي ؟
-اخ منك يا نسمة ، لقد ترجيتك لكنكي لم ترضي الخروج ابدا ، ما بك الآن ؟
-اه انا !! لا ...لا شيء  (التفت الى باسل) شكرا لك سيدي على مساعدة جدتي
وامسكت منه الاكياس و ادخلت جدتها ثم اغلقت الباب كل هذا في رمشة عين ، بقي باسل ينظر الى الباب ، يا الهي لقد نحفت كثيرا و اختفت النضرة من وجنتيها و شحب لونها .
عاد الى ذلك المنزل القابع بالجهة المعاكسة من الرصيف ، تبادل اطراف الحديث مع العجوز ثم ارتمى في فراشه بعد عناء اقناع ذلك الطيب انه لا يريد الاكل.
في الوقت ذاته كانت نسمة تتجادل مع جدتها
-جدتي كيف لكي ان تسمحي لشخص غريب ان يساعدك كان من المحتمل ان يسرقك
-انه البطل الوسيم كل الناس تشكر في اخلاقه
-اعرف انه هو ، لكن ليس معنى ان الناس تحبه ان تتثقي به ، انتي لا تعرفين امثاله
-(نظرت اليها الجدة بإمعان ) و هل تعرفين انت امثاله؟
و من اين علمتي انه هو البطل الوسيم ؟ ها اجيبي ؟ انتي لم تخرجي من هنا منذ اسبوع كامل
-(بتلعثم) لقد حدثتني عنه مرات عدة، انسيتي ؟  قلتي انه وسيم و يفرح اطفال الحي
-اجل لا انكر، ولكن من اين عرفتي شكله ؟
-جدتي انا اشعر بالنعاس
نهضت هاربة من اسئلة اخرى فقد خانها لسانها هذه المرة و كادت تكشف عن سرها الاليم
-انتضري يا نسمة حتى نتعشا
لا رد فقد كانت اغلقت باب غرفتها بحجة خلودها الى النوم

احببت رهينتيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن