الأضواء الأمامية لسيارة مسرعة تخترق الظلام الذي نسج عُشّه فوق الطريق. لا صوت إلا صوت المطر يخترق طريقه عبر السماء ليصطدم بالأرض ويحمل صوته ورائحته الهواء...
الطريق زلق لكن السيارة لا تبالي فتسرع أكثر فأكثر، ترشّ الماء على جانبيّ الطريق. مهما كانت وجهة سائقها فهو على عجلة من أمره.
تشق السيارة طريقها بثبات عبر الظلام والمطر والبرد. يبدو لبضع لحظات وكأن الكون قد خلا من كل حياة وكل صوت و كل نفس إلا بضع لافتات تقف على جانب الطريق معلّق عليها صوراً لأناس مفقودين تكاد شدّة الهواء الناتج عن سرعة السيارة أن تقتلعها ..
توقفت السيارة أخيراً بالقرب من منزل ما بل شبح منزل مهجور ومنبوذ، داخله أكثر ظلاماً من محيطه. ترجّل من السيارة رجل لا ترى ملامحه من كثافة ظلام تلك الليلة. لاضوء إلا مخروطان ينبثقان من المصباحين الأماميين للسيارة، يبدو على ضوئيهما الليلة أكثر خيالاً والمنزل أكثر سراباً.
يحمل الرجل في يده صندوقٍ خشبي أسود صغير ترى بصعوبة النجمة السداسية المحفورة أعلاه، يقطر منه سائلٍ ما.
قطرة ثم أخرى فأخرى.....لا يبالي..
تقدم بحذر صوب المنزل. يقترب أكثر فاكثر ثم يتوقّف على مسافة مناسبة منه. فتح الصندوق، مدّ يده دون أن ينظر ثم أخرج شيئاً.
رفع ذراعه ممسكاً بشئ ما في قبضته يشبه قطعة لحم في حجم قبضته. تتلاحق المزيد من قطرات ذلك السائل لتسقط على أكمامه وملابس.
تسللت بعض أشعة الضوء لتكشف عمّا يحمله..
إنه....إنه...قلب بشري؟؟؟!!!
يا إلهي! ما هذا؟ كيف حصل عليه؟ ما الذي يحدث هنا؟ وماذا سيفعل به؟...
إذ به فجأه يرفع يده في الهواء ثم يقذفه بأقصى قوته متحدياً تلك العاصفة ليدخل عبر إحدى نوافذ المنزل المحطمة.
بدأت يده ترتجف بوضوح لكنه لم يتوقف عند هذا الحدّ فبسرعة مدّ يده مرّه أخرى داخل الصندوق ثم قذف قلبٍ آخر ثم مد يده ثالثاً ثم قذف بآخر. بدا أنه قد توقف عن التنفس للحظات بينما بدأ يرتعد بشدّة. أنهى الرجل مهمته فألقى الصندوق على المقعد الأمامي الأيمن للسيارة ومن ثم جلس على مقعد القيادة ليلتقط أنفاسه.
ألقى نظرة أخيرة على المنزل ثم انطلق بسيارته مبتعداً عن ذلك الكابوس تاركاً خلفه لغزاً ما كان يجب أن يُكشف.
أنت تقرأ
أبيسوس
General Fiction،أبيسوس هي مكان حيث الأبرياء والخاطئون يدفعون بالتساوي ثمن أشياء سواء ارتكبوها أم لا ....هاوية حيث يتمنى الأحياء أن يموتوا ويتمنى الموتى ألا يكونوا كذلك ( يالها من مهزلة ! وقتي ينفذ ولا أبالي , وحدتي تمزق الساعات إلى ثوان , ما الذي أفتقده ؟ .. لا ش...