الفصــــل 3

92 11 1
                                    

أبيسوس


  ( أجمل الأحلام تُولد في الظلام......وكذلك أسوأ الكوابيس )


وقفت الحاكمة بكبرياء ملحوظ على منصة التمثال الضخم وسط ساحة أبيسوس الكبرى. يقف التمثال خلفها كحارس جهنمي ضخم. ضخامة التمثال تزيد من ضئالة كل من حوله. بدأت الحاكمة تلقي خطبتها الجحيمية في ذلك العالم المتهالك.

تجمع الناس المنهكين قصراً لسماع خطبة أخرى لتلك الحاكمة المتعسفة.

- قلت ذلك سابقا لكن دعونا نتذكر، هذا موطنكم الآن، هذه مدينتكم، دعونا لا نبدأ أسئلة مفرغة من المعاني مليئة بالهواء...كيف وصلت إلى هنا؟ كيف نخرج؟ أين نحن؟...كل هذا لا يهم ولن يفيد، إنه واقعكم الآن.. أبيسوس هي منزلكم الآن حيث سنقضي الأبدية سوياً سواء استمتعنا بذلك أم لا، سواء رضينا بذلك أم لا..لكن هذه هي الحقيقة الوحيدة هنا.. بالطبع لاحظتم جميعكم الهاوية السحيقة المحيطة بمدينتنا..هناك تسكن مخلوقات الباﭭين آكلة الظلام. أنتم حقا لاتريدون أن تقعوا فريسة لهم. الأمن هنا سيتأكد من أنكم جميعاً بعيدون عنها لكن لا تحاولوا خداعهم لأنكم وفقط أنتم من سيدفع الثمن صراخاَ وألماَ.. دعوني لا أعيد ما هي عاقبة من يعصي أوامري، نحن لا نريد أن ندخل ذلك النفق مرّة أخرى. كونوا مواطنين صالحين ولا تحاولوا أي شئ قد تندموا عليه..خذوا نصيحتي أيها الناس وابقوا هنا داخل المدينة، اعتبروا تلك الهاوية هي آخر العالم بالنسبة لكم..وهي في الحقيقة كذلك. الآن عودوا إلى مضاجعكم وحاولوا ألّا تسهروا كثيراَ فلدينا الكثير من العمل في الصباح الباكر.

انتهت الخطبة وانفض الحشد وعاد الجميع إلى أماكنهم للقضاء ليلة لا مكان للأحلام فيها. إنه كابوس لا يعرفون إذا قد كُتب له الإنتهاء يوما ما. لا أحد يعلم كيف وصل أو ما هذا المكان الجحيمي الذي علق فيه. لا أحد يعرف طريق الهرب أو إذا كان هذا ممكناً..

جلست ماجي ونادية في صمت لفترة..لا فائدة من الكلام أوالتساؤلات.

على الجانب الآخر عادت الحاكمة إلى منزلها الضخم وسط المدينة، جلست إلى مكتبها في صمت. دخل شاب إليها يبدو في أوائل العشرينات مهندم الملابس، حسن المظهر، لم يبدو أنه دخل عليها مكتبها بصورة رسمية فقد وجد لنفسه مقعداً على الفور. جلس صامتاً بدوره لكن ليس طويلا.

- لما..لما لا تخبريننا بأي شئ؟ أعلم أن لديك كل الإجابات، لما لا تخبرين أحد؟ حتى أنا وأخي..ما الذي تخفينه؟ ولما تخفينه؟

- أحيانا يا (قاصي) ..علامات الإستفهام تكون أرحم من نقاط آخر السطر. الإجابات قد تكون حادة أحياناً لتقطع قلوبنا لقطع صغيرة متناثرة هنا وهناك. أنا أريد حمايتكما، لن أكون والدتكما إذا توقفت عن ذلك، فقط استمع لي

- ما القاسي في قدومنا إلى هنا؟ لما لا يتذكر أحد قدومه إلى هنا..إلا أنت؟ لما أنت دوناً عن كل هؤلاء الناس؟

- لأننا .. أنا وأنت وأخيك..لسنا مثلهم

- نحن لسنا أفضل منهم

- كلا..بل على العكس، هم من لديهم شيئاً ليس لدينا نحن

- ما هو؟

- .....

- أمي..ما هو؟

- فرصة..

- أي فرصة؟!

- ...........

بعد تنهيدة ثقل استدارت بمقعدها نحو النافذة لتشرد طويلاً.

**********************************************************

بعد صمت طويل كان يجب أن تخرج بعض الكلمات لتحدث بجدرانه شروخاً.

- ماجي! أريد أن أعتذر لكِ

- لما؟

- أنا..أنا أشعر أني من تسبب بقدومنا إلى هنا

- لما.....؟ نادية!! هل تتذكرين شيئاً؟!!!

- ليس بالضبط..لكن..أنا فقط أشعر بذلك

- لا تخترعي الذنب ثم تُشعري نفسك به، ما يحدث لنا الآن ليس خطأ أحد، تلك الحاكمة اللعينة تخفي أمراً، إنها تتلذذ ببؤسنا

- يوما ما سأسقطها وكبريائها في الهاوية، أنا أعلم أن ابنتي ماتت، لقد استسلمت لذلك الواقع فلم يعد يخيفني، الذي نمر به الآن لا يضاهي النيران التي بداخلي

- ...............

أبيسوسحيث تعيش القصص. اكتشف الآن