الفصل الأول:
جلست دانة منكمشة على نفسها في إحدى زوايا مبنى السوق المركزي، متوارية تحت لحاف وجدته منذ لحظات ملقى على الأرض، رغم ثيابها السميكة ومعطفها الصوفي، إلا أن البرد القارس كان يقتحم ثنايا جسدها المرتعش، كانت وحيدة في هذا المكان الموحش، الخوف والقلق يتسللان إلى روحها، ضائعة في هذا العالم المقفر، انسابت دموعها الحارة على وجنتيها، أغلقت عينيها لعلها تشعر بالراحة أكثر فداهمتها الذكريات، وشعرت بالحنين إلى وطنها، كانت تحاول أن تقاوم شعور الغربة القاتل الذي يتسلل محاولا القضاء عليها في هذه الظروف الصعبة التي يمر بها العالم.
*** *** ***
اجتمعت العائلة حول مائدة الطعام في إحدى ليالي السنة الماضية، كانت سعيدة وسط عائلتها، تتناول ما تعده والدتها من طعام شهي، شوربة الخضراوات اللذيذة التي تبعث رائحتها الدفء والراحة، تناولت حسائها بهدوء وهي تفكر بكلماتها التي ستغير مجرى حياتها، رفعت بصرها محدقة إلى والدها الذي لم يرفض لها يومًا أي طلب، تساءلت في نفسها هل سيرفض ويقف ضد رغباتها؟ وتطلعت إلى والدتها المنهمكة في سكب الطعام لهم، وأخيرًا حدقت طويلاً بأخيها جاسم ذو طباع حادة، وفكرت بردة فعله تجاه ما تنوي فعله، خرج صوتها خافتًا يخشى من المواجهة، ترددت طويلاً قبل أن تخبرهم بقرارها ورغبتها بإكمال الدراسات العليا في الولايات المتحدة الأميركية، رفع والدها بصره باسمًا، رحب بالفكرة ولم يعارض، بينما دمعت عينا والدتها ولم تعترض أيضًا، أما جاسم فقد وقف شاهرًا صوته كالسيف الحاد رافضًا فكرة دراستها في الخارج رفضًا قاطعًا.
*** *** ***
قطع ذكرياتها صوت حركة في أرجاء المكان، سمعت خطوات أرجل متثاقلة تزحف بجانبها، فازدادت نبضات قلبها ارتعاشًا، تنفست بروية ثم كتمت أنفاسها وأطبقت كفيّها على شفتَيها بشدة، تعثر ذلك الشيء بها فهوى مرتطمًا فوق سطح الأرض بجوارها وانكشف اللحاف عنها، التفت إليّها محدقًا، ثم اقترب منها زاحفًا أكثر، لم تستطع أن تكتم صوت أنينها، فانطلقت صرخاتها مرعوبة من هيئته المشوهة، بشرته الشاحبة المتعفنة، عيناه حمراوان، فتح فمه وتخللت أنفاسه الكريهة أنفها، دفعته عنها بقوة، ثم عاد لينقض عليها، صرخت بقوة وهي تحاول أن تبعد هذا المسخ عنها، سمعت صوت إطلاق نار فهوى بجوارها صريعًا بطلقة خرقت دماغه، أبادت روحه المتوحشة، بكت بصمت وهي تلهث مذعورة قبل أن ترفع بصرها إلى منقذها، لكنها تفاجأت بفوهة بندقية أمام عينيها، فعلا صوت نحيبها أكثر متوسلة بصوت يكاد يسمع:
- لا تقتلني، أرجوك، أرجوك ساعدني!
كان رجل يبدو في الأربعين من عمره، التفت إلى رفيقه الذي امتزج الشعر الأبيض بلحيته، كان يبدو في السبعين من عمره، تحدث رفيقه بصوت يملؤه الوقار:
أنت تقرأ
أحبك ولكن!
Spiritualالكتاب الأول من سلسلة "حب في زمن الكوارث" دانة فتاة مسلمة لم تستطع من ان تتجاهل مشاعرها في زمن لا إنساني زمن انتشر فيه الوباء، القتل، والموت انعدمت فيه الإنسانية زمن تنقلب فيه الأوضاع وتسود الجرائم دون رادع يقتل الإنسان لحماية نفسه يسرق لتأمين احت...