(4)

586 44 6
                                    

بقلم نهال عبد الواحد

كانت يوكابد تعاني ويرج صراخها أرجاء البيت، وأسماء تجاورها وتحاول توليدها، كان يوكابد تعض بكل قوتها في طرف غطاء فراشها، تلتقط أنفاسها بصعوبة، متعرّقة الوجه بشدة، تحاول تحمّل تلك الآلام المبرحة تتمنى الخلاص بأي نتيجة، بعكس أسماء التي كانت تتمنى لها إنجاب الذّكر ليرتفع شأنها وترتفع هي معها.

مر بعض الوقت لكن كثيرًا ما تأتي الرّياح بما لا تشتهي السفن؛ فتفاجأت أسماء بتلك الأنثى تهبط بين يديها، ظلت تنظر إليها بنظراتٍ محبَطة وقد تيبست أطرافها للحظات ولولا ذلك الفراش لسقطت الوليدة من بين يديها.

كانت أسماء مترددة في قطع الحبل السري للطفلة وسرعة ربطه، كانت تساورها وساوس بتركه دون ربطه لتموت هذه الطفلة، ليس لكونها فقط غير مرغوبًا فيها، وإشفاقًا منها على يوكابد بعد أن ترى طفلتها وتضمها إلى صدرها عدة أسابيع حتى يعود السّيد ثم يدفنها حية وتكون قد تعلّقت بها!

كانت يوكابد منهكة بشدة لكنها لم تفقد وعيها، فشعرت أنها قد دفعت جنينها لكنها لم تسمع صوت صراخه بعد! فتحت عينَيها تتفقد أسماء لتجدها واجمة بلا حراك.

فنادتها يوكابد بصوتٍ ضعيف: ماذا حدث؟ ماذا أنجبت؟

ابتلعت أسماء ريقها بمرارة وبادٍ عليها الشّرود كأنما تفكر في اختلاق كذبة ما، لكن في الأخير لم تستطع إلا أن تجيبها بأسى: إنها أنثى!

شهقت يوكابد وتلاحقت أنفاسها وهي تهدر محاولةً النّهوض: لماذا لم أسمع صراخها؟ هل أصابها مكروه؟

فرفعت أسماء عينيها بتوجس دون أن تعقب، فباغتتها يوكابد بكل ما تبقى لها من طاقة: أرجوكِ لا تصيبيها بمكروه، أستحلفكِ ألا تأذيها! أقسم عليكِ أن تتركيها على قيد الحياة!

فتغرغرت عينا أسماء بالدّمع وقطعت ذلك الحبل بيدين مرتعشتين وأسرعت في ربطه ثم أمسكت الطفلة من قدميها منكسة رأسها بالأسفل تهزها بقوة وتضربها على مقعدتها برفق حتى صرخت الطّفلة وصدع المكان بصرخاتها.

وقتها عادت يوكابد برأسها للخلف تستند فوق وسادتها تزفر براحة أن لا زالت على قيد الحياة.

أتمّت أسماء عملها من تنظيف الأم وطفلتها، ثم لفّت الطفلة بلفافة قماشية ونظرت في وجهها الملائكي، فقد كانت جميلة بحق وقد ورثت كل ملامح أمها بشكلٍ ظاهر، من بياض البشرة ولون الشعر الفاتح على أغلب ظنّها بسبب الإضاءة الخافتة.

حملتها أسماء ونظرت إليها بأسى ثم التفتت إلى يوكابد التي بدأت تعدل وضعية اتكاءتها لتحمل طفلتها ثم قالت لها بحزن: أخشى تعلّق قلبك بها فيزداد حزنك عليها.

فابتسمت يوكابد بتعب وقالت: ولمَ الحزن وقد منّ عليّ الإله بنعمته العظيمة؟

ثم مدت يديها تبسطها نحوها وتهدر بشوق: هيا أعطيها إليّ، أريد أن أحملها وأضمها إلى قلبي.

By : Noonazad.      ( إلى طريق النجاة )حيث تعيش القصص. اكتشف الآن