(33)

412 29 39
                                    

بقلم نهال عبد الواحد

سكتت راحيل بعد سماعها لكلمات زبيدة ولم تعقب فاستأذنت منها ودلفت إلى حجرتها وهي غاضبة؛ فلم يروق لها كلمات تلك المرأة وظلت متوترة تجول الحجرة ذهابًا وإيابًا وتضرب كفيها ببعض بغضب ثم تجلس هنيهة على فراشها تفكر، كيف لها تتودد لرجلٍ لا تعرفه؟!
ترى كيف توددت يوكابد لعمارة حتى يعشقها ويتيّم بها إلى تلك الدرجة؟!
وكم أخذا من الوقت؟
أم كلها أشياء لا تعني؛ فكل الأزواج يتعايشون ويتوددون.
لكنها لا تقوى على فعل ذلك، لم تعتاد يومًا على كيفية التعامل مع الرّجال إلا بخشونة حينما كان يمر عليهم ضيف في البادية.

ثم تنهض مجددًا وتتجول في الحجرة ذهابًا وإيابًا فتقع عيناها على ذلك الصنم جانب الحائط فتتأفف وتنظر نحوه وتتمتم: كيف لي أن أعيش في هذا البيت المشرك؛ أنا موّحدة ولا يمكن أن أرتد أبدًا لا إله إلا الله محمد رسول الله!

ثم استمرت في تحركاتها المتوترة وهي تتمتم: كيف لي حتى أن أشرح لهم وأفسّر لهم أني لستُ على دينهم؟!

ثم ألقت نفسها بتأفف على الفراش وأمسكت بشعرها الذي كان لا يزال منسدلًا على ظهرها فأمالته للأمام من ناحية أحد كتفيها وأخذت تجدّل فيه في توتر وعصبية، فتذكرت أمر الندبات في ظهرها فنهضت واقفة وفتحت صندوق ملابسها، فتّشت فيه قليلًا ثم أخرجت مرآتها فأمالتها للخلف لترى ظهرها حيث كان ثوبها مفتوح من الظهر قليلًا لكنه كشف بعض من تلك الندبات الواضحة فتأففت وألقت بالمرأة داخل الصّندوق وأغلقت الصّندوق بقوة وهي تتمتم غاضبة: اللعنة عليك! ويقال لي كان ينبغي أن أذهب إليهم لأستقبل العزاء!

ثم اتجهت نحو فراشها وألقت بجسدها عليه مستلقية، شردت قليلًا متذكرة أمها وعمارة وحياتهما معًا وذلك العشق العفيف الذي لم يخفياه يومًا، فهو دائم التّدليل والحنان لها وهي دائمة التّودد إليه، فتساءلت في نفسها متنهدة: هل ستشبهه في معاملته أم تنتظرني معاناة أخرى مدى الحياة؟!

ثم تمتمت بيأس: في جميع الأحوال لن تكون عيشة هنية؛ فلن أترك ديني ولا يمكن أن يقترب مني وهو ليس على ديني، تراه شيئًا محرّمًا أم له دينه وليَّ ديني؟!

ظلت تتحدث مع نفسها لفترة تارة غاضبة وتارة متحيّرة حتى سقطت في نومٍ عميق.

وفي الليل عاد عبادة وأوس فوجدا زبيدة جالسة في الرّدهة المتسعة تنسج النول كعادتها، فدلفا ثم جلسا وكانت عينا أوس تبحث عن راحيل وقد لاحظته أمه فأهدرت توجه حديثها لزوجها: أتمنى أن يكون هو اليوم الأخير لاصطحاب ابنك معك لبيت أخيك.

فنظر إليها بعدم رضا وأجابها بحدة: وما شأنك يا امرأة؟! كأني طلبت منك أن تأتي معنا!

- يبدو أنك قد نسيت أن ابنك قد تزوّج ولم يبني بزوجته بعد، أريد أن أرى أبناءه.

By : Noonazad.      ( إلى طريق النجاة )حيث تعيش القصص. اكتشف الآن