(16)

474 32 20
                                    

بقلم نهال عبد الواحد

مرت أسابيع ومُليكة لا زالت متوشحة السّواد حدادًا وحزنًا على موت طفلتها، جالسة جوار باب البيت أرضًا مقاطعة الكلام مع أي شخص كما امتنعت عن الطّعام إلا من بعض اللقيمات التي تتناولها  في المساء بعد إلحاح من أسماء أن تدخل البيت فتحممها من أثر التّراب الذي تحثيه على رأسها.

كانت حالتها يُرثى لها خاصةً ولم يعتني بها أي شخص في ذلك البيت، فقد فقدت الكثير من وزنها وصار وجهها أكثر شحوبًا وعيناها غائرتان في محجرهما، لا زال قلبها يحترق رغم مرور الوقت، لا زالت تشعر بصراخ طفلتها في أذنَيها وتجد معه صدرها يتحجر ثم يفيض منه الحليب فيزداد بكاءها؛ فقد ذهبت الطّفلة وبقيَ رزقها.

أما باقي أفراد البيت فكل واحدٍ وشأنه، الزُّهير يستيقظ من نومه في الظّهيرة فيخرج بعد القيلولة يتفقد تجارة أبيه ثم يذهب إلى اللهو في الليل حتى مطلع الفجر ويعود ثاملًا لا يرى أمامه، ويظل يهذي باسم يوكابد حتى يغط في نومٍ عميق.

أما عبد العُزّى فمشغول بتجارته نهارًا وبجواريه الجديدة ليلًا ينتظر من إحداهن أن تضع له الولد كما اعتاد، ولم يعد ليوكابد أي مكان في ذاكرته.

كما قد أعاد علاقته بأخيه الأصغر عبادة بالطّبع بعد أن علم بمقدار ثرائه وأنه لا يمتلك من الأبناء سوى غلامًا ابن عشرة أعوام يُدعى أوس بعد وفاة كل أبناءه صغارًا، وصار مستقرًا في حياته مع زوجته لا يفكر في الزّواج من أخرى ولم يعد له طاقة لمزيد من العلاقات مع الجواري.

أما أمامة فهي الآن في أيامها الأخيرة في ذلك الحمل وينتظر أن يأتيها المخاض من حينٍ لآخر، لكنها تبدو متعبة كثيرًا فيجئ إليها السيد بحجة الاطمئنان على أم ابنه.

وذات مساء بينما كانت أسماء تلح على مُليكة لتأكل نظرت إليها وأطالت النظر وتساءلت: لماذا تفعلي معي كل هذا؟

فتنهدت أسماء ولا زالت ترتدي قناع التّأثر وتابعت: لقد تأثرتُ بما حدث لكِ وبوضعك الذي يُرثى له الآن.

ثم تنهدت وأشاحت بنظرها عنها ولا زالت تتصنع الإشفاق: لم أتوقع أبدًا أن تفعل معكِ عمتك كل هذا، ظننتها أخيرًا ستمتلك قلبًا وتعاملك كأم، لكن هي من البداية وكانت تنتوي الطّمع فقط، لذلك حصدت ما تستحقه.

زمت مُليكة حاجبيها ناظرة إليها ثم تابعت: ماذا تعني بما قُلتيه؟

تصنّعت أسماء التّردد والتّلعثم كأنها صارت بورطة ثم أكملت عرضها المسرحي ببعض الارتعادة المزيفة، فربتت عليها مُليكة قائلة: إهدئي رجاءً، لن يصيبك مكروه؛ فقد صرتِ قريبة منى خاصةً في محنتي هذه، أرجوكِ أريد تفسيرًا لما قُلتيه.

فابتلعت ريقها وقالت: لم تقدم سيدتي أمامة على تزويجك من سيدي الزُّهير رغمًا عنه إلا من أجل استرداد إرثها الذي سلبه منها أخيها، أي أبيكِ، خاصةً وأنك وحيدته!

By : Noonazad.      ( إلى طريق النجاة )حيث تعيش القصص. اكتشف الآن