(39)

417 29 93
                                    

بقلم نهال عبد الواحد

نظر أوس بعدم فهم وتجول بعينيه بين عُمير وراحيل الواجمين بشكل مثير للريبة، فهمّ بفتح فمه يتساءل لكن قاطعه صوت أبيه الذي صدع بالمكان: ها أنت قد جئت وجلست جوار زوجتك اللعينة!

فالتفت إلى أبيه وجحظت عيناه بصدمة، ثم أعاد نظره إلى راحيل ودقق بنظره فيها؛ يحاول التقاط حقيقة اتهام والده.

حاول فك شفرة تلك الملامح المبهمة، لكن بلا فائدة فالتفت نحو عُمير فوجد ملامحه متيبسة بشدة لدرجة أنه يرتعش من الارتعاب!

زفر قليلًا ثم نهض واتجه ناحية أمه المجاورة لأبيه لكنها أيضًا مبهمة الملامح، كما أنها لم تتحرك قيد أنملة لتستقبله عناقًا كما اعتاد منها!

لكنه تقدم محاولًا إخماد تلك الضّجة المشتعلة في رأسه، أومأ برأسه إيماءة قليلة مغمضًا عينيه وهو يزفر بهدوء، عانق أمه فعانقته عناقًا حارًا شعر ببكاءها بين ذراعيه فانقبض صدره هُنيهة، فربت على كتفها برفق وقبّل رأسها وهمس: اشتقتُ إليكِ أمّاه.

ابتعد قليلًا ونظر في وجهها فهربت بعينيها عنه، أطال النّظر إلى وجهها فلم ترفع عينيها بعد فرفع عيناه فلمح عمه يقف بالخلف، فزفر بضيق وابتسم له ابتسامة لم تصل إلى عينيه وقال: مرحبًا عماه!

قالها وهو يتجه نحو أبيه ليعانقه هو الآخر لكنه تفاجأ بصدة لذراعيه من يدي أبيه، فوجم من تصرفه وعكّر حاجبيه وتساءل بدهشة: ماذا هناك أبتي؟ ألم تشتاق إليّ؟ إلى ابنك وحيدك! لقد أبليتُ بلاءً حسنًا، وقد أبرمت اتفاقًا مع...

كاد يسترسل أوس في حديثه محاولًا التهرب من تلك الرّيبة المحاطة بهم جميعًا، لكن قد قاطعه عبادة بصياح: صه!

اتسعت حدقتا أوس بصدمة؛ فلم يعهد تلك الطّريقة من أبيه ولا حتى في صباه، خاصةً في حالة وجود أناس آخرين.

فشعر بجسده يهتز قليلًا ثم قال بصوتٍ متحشرج من الإحراج: ماذا هناك أبتي؟ ما هذا الأسلوب الذي لم أعتاده منك؟!

ثم تجول بنظره في المكان بالكامل واستطرد: ماذا بكم جميعًا؟ كأن هناك أمرًا جلل!

فصاح أبيه: بل كارثي...

ونظر نحو راحيل فالتفت أوس على أثره وهَمّ أن يفتح فمه ليتحدث فقاطعهم عمّار: ترى ماذا فعلت راحيل لتقسو عليها هكذا بل وتشكوها لزوجها فور وصوله؟

فتابع أوس يسألها: هل خرجتِ من الدار أو اقترفتِ شيئًا؟

فنظرت إليه ولم تعقب، فهَمّ أن يكمل فقاطعه أبوه: لم تخرج ولم ترتكب أي فعل يدور برأسك أيها الأبله، الأمر أشد خطورة، إن زوجتك وأخوها هذا قد صبئا ومؤكد أن عمّار هذا صابئ أيضًا وتركوا دين آباءك وأجدادك! يبدو أنهم قد توارثوا ذلك عن والديهم، ويدّعون دينًا جديدًا.

By : Noonazad.      ( إلى طريق النجاة )حيث تعيش القصص. اكتشف الآن