(31)

393 29 55
                                    

بقلم نهال عبد الواحد

دلفت راحيل إلى داخل بيت عمها وتبعها عمها وابن عمها، ولا تزال مترنحة في مشيتها يشعر الرائي أنها ستنكفئ أرضًا من كثرة تعثّراتها في طرف ثوبها الطّويل المتسع.

كانت زبيدة جالسة بالدّاخل تنتظر العروس وجلس جوارها عُمير، أطالت النّظر نحوها ودققت بالتّحديد في طريقة سيرها ظنًا منها أنها عرجاء فتنهدت بعدم رضا فرمقها عبادة وكان خلف راحيل فتصنّعت التّبسم ونهضت واقفة بتثاقل واضح ثم صدع صوت زرغدتها.

كانت راحيل مرتدية ثوبًا واسعًا وطويلًا وأكمامه شديدة الاتساع لدرجة تجعل ساعديها تتكشّفان مع أي حركة منهما، وشفافة قليلًا فتُظهر خيالات سواراتها الذهبية التي أهداها إليها عمها، ومغطى رأسها بغطاء ملفوف على رأسها ويهبط ليغطي فتحة جيب الثّوب المتسعة، وعلى وجهها طبقة أخرى من الوشاح لكنها كانت شفافة فتجعلها ترى خيالات الطريق والأشخاص لكن لا يرى أحد تفاصيل ملامحها، ربما يظهر خيالات قرطها الذهبي مع قلادة من الذهب أيضًا مما أرسله لها عمها كهدية العريس.

بدأت زبيدة تقترب وتحاول تثبيت تلك الابتسامة على ثغرها رغمًا عنها، ثم قالت: مرحبًا بكِ في بيتنا...

ثم التفتت نحو ابنها أوس الواقف خلف راحيل مكفهر الملامح يظهر ضيقه وعدم رغبته في هذه الزّيجة وأكملت: هيا يا أوس خُذ عروسك وادخل بها، فحجرتك على أتم استعداد لتقضيا ليلتكما وصُحفة العشاء مغطاة بالدّاخل وفيها ما لذ وطاب، ولتحفظكما وتبارك ليلتكما الآلهة!

فاتسعت حدقتا عُمير وصاح فجأة: الآلهة!

فانتبهت راحيل لمصدر الصّوت وتلك النّبرة التي تحفظها جيدًا وجذبت ذلك الوشاح من على وجهها وهي تنظر لصاحب الصّوت في حركة خاطفة سريعة فانتبه إليها واتسعت عيناه وتهللت أساريره ونهض مسرعًا بلهفة تشبه لهفتها عندما وقعت فيروزيتاها المتورمتين عليه حاولت أن تسرع نحوه لكنها سرعان ما انكفأت على ركبتيها أرضًا ولم تستطع أن تنهض، لكن اختلط صوتيهما وهما يصيحان: راحيل! عُمير!

ووسط صدمة الجميع تعانق الأخوان في لقاءٍ حار تعالت فيه شهقاتهما؛ لا يصدّقان أن أخيرًا قد التقيا بعد طول غياب!

وجم الجميع وأشدهما وجومًا هو أوس؛ لا يصدق أن تلك الفارسة التي أسرت قلبه هي ابنة عمه التي أُجبر على الزّواج منها!

ووسط تلك المشاعر الملتهبة صدع صوت طرقات على باب البيت، وكان عبادة بالقرب من الباب فاضطر لفتحه.

فوجد شابًا حديث السّن من ملامحه ولحيته الخفيفة لكن يبدو جسده أكبر من عمره بسبب طول قامته وصلابة جسده.

ابتسم الشاب وأهدر بأدبٍ جم: عِمتَ مساءً سيدي!

فأومأ برأسه مرحبًا وقال: عِمتَ مساءً! من أنت؟

By : Noonazad.      ( إلى طريق النجاة )حيث تعيش القصص. اكتشف الآن