(11)

477 31 17
                                    

بقلم نهال عبد الواحد

كان خبر إفلاس صخر صفعة مدوية على مؤخرة رؤوسهم بحق؛ وقد فشلت كل مخططاتهم ولم يستفادوا من تلك الزّيجة على الإطلاق، خاصةً وأن الزُّهير لا زال لا يطيق مُليكة حتى الآن.

لقد بالغ عبد العُزّى في تكاليف حفل زواج ابنه طمعًا في تعويضها عبر رحلة تجارية بمشاركة صخر، لكن الآن لن ينفع صخر ولا يقوى على تلك الرّحلة بمفرده حتى تأتي أُكلها بربحٍ وفير.

كان طوال الوقت يفكر في طريقة ينجو بها من ذلك المأزق الذي فُرض عليه.

وكان في الفترة الأخيرة قد تعرف على سيدًا من أشراف القبيلة ومن أغنى أغنياءها حتى إنه قد دعاه في حفل زواج الزُّهير وقد لبّى دعوته وحضر، وقد لاحظ عليه أمرًا ما وقرر أن يستغله لصالحه مهما بلغت العواقب.

وذات مساء بينما كان عبد العُزّى يتناول العشاء بصحبة أمامة كما اعتادا منذ تزويج الزُّهير؛ بالطّبع كان يمنّي نفسه بأخذ إرثها منها بعد أن تأخذه من أخيها، ولكن تلك هي دائمًا عواقب المكر والطّمع!

كان يتناول الطعام بكلتا يديه وهو يطيل النّظر إليها يفكر في طريقة ليفاتحها فيما ينتوي عليه، بينما هي ورغم مكرها الشّديد إلا أن خيالها قد صوّر لها أنها نظرة عاشق متيّم!

ولما انتهى من طعامه رفع الماء ورشفه ثم تجشّأ بقوة ومسح يديه في ملابسه ونهض فسار بضع خطوات وقف أمام صنمه وأطال النّظر إليه كأنما يسأله أو يطلب منه البركة...

ثم أخذ نفسًا عميقًا وزفره بهدوء، وبعدها إتكأ في فراشه فنهضت أمامة تتجه نحوه بابتسامة ثم جلست بين يديه وتساءلت: ما الخطب؟ تُرى فيمَ تفكر؟ فمنذ وأن علمنا بذلك الخبر المشؤوم ونحن نغلي كقدر الماء على النّار من شدة الغضب!

تنحنح قليلًا ثم قال: لكنّي وجدتُ حلًا مناسبًا...

ثم تابع: يتوقف عليكِ إلى حد كبير.

- كيف ذلك؟ فكما تعلم كلّ تخطيطنا قد ذهب هباءً منثورا، ولم يعد هناك ما سنأخذه من صخر...  اللعنة عليه!

قالت الأخيرة بحقدٍ دفين، فتلعثم قليلًا وازداد ترددًا ثم تابع: أتذكرين السّيد مسعود، أحد أعيان القبيلة ذلك الذي تشرفنا بحضوره العظيم يوم زواج الزُّهير.

فظهر على ملامحها بعض التّوتر والذي لم يخفى على عبد العُزّى، فلم تعقّب واكتفت بإيماءة صغيرة من رأسها حاولت من خلالها إظهار عدم الاكتراث.

- لقد رأيته معجبًا بكِ وعيناه تتابعانكِ أينما اتجهتِ.

أهدر بها عبد العُزّى ثم تمتم بخفوت في نفسه: يا له من أرعنٍ غبي! تُرى ما جذبه فيها؟!

زمت حاجبَيها تتصنّع التّفاجؤ لكن لم تتمكن من ذلك، فتابعت: وماذا بعد؟!

- وقد رأيته متابعًا لكِ في لقاء لنا بعد ذلك، وكان أكثر لطفًا خاصةً في محاولته للتّحدث معك!

- الأفضل لك أن تتحدث بما تريد مباشرةً، لأي شيء تومئ بحديثك هذا؟!

- السّيد مسعود بإمكانه مشاركتنا في الرحلة التّجارية القادمة، فتزيد القافلة ويتضاعف الرّبح والخير يعمّ على الجميع.

فأومأت برأسها فتابع: لكن تريهِ هل سيوافق بتلك البساطة؟!

فأومأت بكتفيها أن لا تدري، لكنه باغتها بقولته: يمكنك وحدكِ أن تتشفعي لي ليفعل ذلك بمنتهى الرّضا.

فضيّقت عينَيها بعدم فهم ثم تساءلت: وكيف ذلك؟ ولماذا أنا بالتّحديد؟!

- لماذا أنتِ؛ لأنه معجبٌ بكِ ويريدك، كيف ذلك؛ ستذهبي إليه تستبضعين منه(*).

فجحظت عيناها وتفرقت شفتيها بلا عودة للقاء، ثم قالت بصوتٍ يرتجف وسط أنفاسها: ماذا تقول؟ هل جُننت يا رجل؟!

- لا تنزعجي هكذا؛ الأمر ليس بذلك السّوء على الإطلاق، سنقوم بدعوته هنا على الغداء ونولم له وليمة تليق به، وستهتمين به وتحسني ضيافته كأشدّ ما يكون بل وتتوددي إليه لدرجة تجعله يدعوكِ أن تذهبي إليه وحدك، ستنتظري حتى تأتي حيضتك وتنتهي ولن أقربكِ بعدها وحينها يمكنك الذّهاب إليه وتستبضعي منه ولدًا، سأعطيكِ مهلة حتى موعد الحيضة التي تليها، فإن حملتِ منه فسيكون العزّ لذلك الابن؛ إذ أنّه ابنًا لذلك السّيد وسيرث منه المال والجاه إنظري ماذا ترِي؟

سكتت قليلًا ثم ابتسمت وكأن الفكرة قد وافقت هواها ثم أومأت برأسها موافقة.

وبعدها ببضعة أيام قام عبد العُزّى بدعوة السّيد مسعود على وليمة غداء مشرّفة، وقد تزيّنت أمامة وكأنها عروس وأكرمت ضيافته وتوددت إليه وتقعّرت له في الحديث معه، وبالفعل قبل أن يذهب قد تواعد معها على لقاءٍ قريب يجمعهما في فراشه.

وبعد عدة أيام أعدت أمامة نفسها وتسلّلت ليلًا واتجهت نحو بيت السّيد مسعود وقد قضيا معًا لقاءً خاصًّا كلقاء الأزواج، ثم توالت زياراتها إليه لفترة حتى نجحت بالفعل في إقناعه بمشاركة عبد العُزّى في رحلته التّجارية، كما حدث وقد حملت منه فمنعها عبد العُزّى عن الذّهاب إليه بعد ذلك.

استعد عبد العُزّى وابنه للسّفر إلى الرّحلة التّجارية المنتظرة يينما اكتفى السّيد مسعود بالمشاركة بالمال فقط دون السّفر معها؛ متحججًا بانشغاله في بعض الأمور.

لكن بمجرد سفر عبد العُزّى والزُّهير وقد عاودت أمامة لقاءاتها بمسعود وكأن كلًا منهما قد وجد شقّه الآخر، لكن تلك اللقاءات كانت تأخذ فيها الحيطة أكثر؛ تخشى أن يراها أحدهم ويوشي بها عند عبد العُزّى بعد أن منعها متعلّلًا أن الدّافع قد انتهى.

لكنّها لم تكن تعلم أن هناك من يتابعها ويعدّ عليها أنفاسها، بل كان ينتظر فرصة كهذه ليرد لها الصّاع باثنين وأكثر...

—————————————————

(*)

نكاح الاستبضاع: هو نكاح جاهلي قد جبّه الإسلام وحرّمه وكان سائدًا في الجاهلية بين العرب، وهو أن يرسل الرجل امرأته لرجل ذا منصب وجاه يرغب في طلب منفعة منه، فيخلو ذلك السّيد بامرأته في فترة بين حيضتين لا يمسّها زوجها الأصلي خلال تلك الفترة حتى تحمل منه وتنتهي علاقتهما، وبعد حملها منه إن شاء زوجها أن يقربها وإن شاء فلا.

Noonazad    💕❤💕

By : Noonazad.      ( إلى طريق النجاة )حيث تعيش القصص. اكتشف الآن