(36)

381 29 67
                                    

بقلم نهال عبد الواحد

-«... وَ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى* إِذْ رَءَا نَارًا لًّعَلِّـي ءَاتِيكُم مِّـنْهَا بِقَبَسٍ أَو أَجِدُ عَلَى النَّـارِ هُدَى* فَلَمَّـا أَتَاهَا نُودِيَ يَامُوسَى* إِنِّـي أَنَا رَبُّـكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّـكَ بِالْوَادِ الْمُقَدِّسِ طُوَى* وَ أَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى... »

رتّلتها راحيل بصوتٍ هادئ وعذب، لكن فجأة قاطعها صوت رجولي عميق:

«... إِنَّـنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَه إِلَا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَ أَقِمِ الصَّـلَاةَ لِذِكْرِي* إِنَّ السَّـاعَةَ ءَاتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسِ بِمَا تَسْعَى...»

كان أوس هو من قاطع قراءتها وأكمل هو مرتّلًا بعض الآيات، كان يتقدم بخطواتٍ هادئة ويردد وعيناه تلتمعان بسعادة مفرطة، بينما راحيل وعمّار فرغا فاهما واتسعت حدقتاهما واختفى لون الحياة من وجهيهما من أثر الصّدمة، أما عُمير فانتفض جالسًا وظل واجمًا.

استمر أوس في قراءته حتى توقف أمامهم ولاحظ صدمتهم الشديدة، فاتسعت ابتسامته وقال وهو يجلس أمامهم: ماذا بكم كأن على رؤوسكم الطير؟!

فاستفاق عمّار وابتلع ريقه ببطء وأجاب محافظًا على هدوءه: إنك قد أكملت القراءة! هل أنت...

فقاطعه أوس مجيبًا بتأكيد: أجل، إني مسلم وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله!

قالها والتفت بعينَيه نحو راحيل التي كانت تزرف دموعها تلقائيًا، فربّت على كفها وأكمل: كنت أسافر من حينٍ لآخر بغرض التّجارة ومقابلة التّجار والاتفاق معهم كلما أمرني أبي بذلك خاصةً في الأعوام الأخيرة؛ حيث صرتُ أسافر وحدي، وإني دائمًا مولع بمجالس الشّعر والشّعراء التي تُكثر في الأسواق ، وكلما ذهبت لبلدة أو قبيلة جلستُ واستمعتُ لشعرائهم وحفظت بعضًا من أبياتهم، حتى ذات يوم كنت في مكة وجلست كعادتي في السّوق أستمع إلى الشّعراء، لكني يومها استرقت السّمع لبضعة رجال يتحدثون بشأن أمرٍ جلل وأن هناك رجلًا يكذّبوا قوله يدّعي النّبوة، وقالوا في حقه أنه مجرد شاعر ينظم شعرًا وساحر يسحر كل من استمع إليه، قلتُ في نفسي لن أخسر شيء إن تحققتُ من الأمر بنفسي.

وبدأت عينا أوس تترقرقان وهو يكمل: ظننتُ أنّي سأقابله، وبمجرد هذا الظّن فقط  انتابتني رجفة لم أشعر بها قط وضربات قلبي تسارعت وعلت بقوة حتى ظننتُ أن قلبي إما سيُقتلع من مكانه أو سيتوقف، لكن لم أتمكّن من  رؤيته مع الأسف! لكن قابلت مَن عرّفني بذلك الدّين، سمعت منه قولًا عظيمًا لم أسمع كبلاغته ولا روعته أبدًا ولا حتى من جهابذة الشّعراء الحاذقين، بمجرد أن نطق الآيات بصوته وجدتني وقد رقّ قلبي ومال وشُرح صدري، فطلب مني أن أغتسل وأنطق الشّهادتين وصرتُ مُسلمًا أتبع دين الإسلام وملة إبراهيم حنيفا، ثم طلب من أحد المسلمين أن يتولّى تعليمي تعاليم الدّين وعدد من آيات القرآن الكريم.

By : Noonazad.      ( إلى طريق النجاة )حيث تعيش القصص. اكتشف الآن