بقلم نهال عبد الواحد
مع بداية الصّباح خرج من خيمته مرتديًا عمامته فوق رأسه مهنّدمًا عباءته البنية بهدوء، استنشق بعمق هواء الصّباح ثم سحب راحلته بعد أن ربّت عليها برفق ثم هشّ بعصاه على غنمه وسار بهم جميعًا في رحلة رعي جديدة.
سار بغنمه وراحلته حتى وصل إلى بعض الحشائش التي تحيط عين ماء جارية تحيط بها الصّخور، فترك الغنم يأكل منها وجلس على صخرةٍ عن مقربةٍ منهم يتابعهم بعينَيه مع راحلته تارة، وتارة أخرى يشرد في الطّبيعة من حوله.
لكنه فجأة سمع صوت بكاء وليد فالتفت برأسه يمينًا ويسارًا بتعجب فلم يسمع شيء فظنّ أنه يُخيّل إليه فتابع مراقبته للغنم والرّاحلة.
وبعد قليل سمع الصّوت يأتيه مجددًا، لكن هذه المرة بدا وكأن الهواء يحمله من مسافة فجذب راحلته وركبها واتجه نحو مصدر الصوت وكان يأتي من قلب الصّحراء.
وبعد أن سار بعض الوقت ولا زال يتلفت حوله ويتسمّع الصّوت الذي يتضح حينًا ويخفت حينًا حسب هبوب الهواء واتجاهه، ثم لمح عن بعد شيئًا ما تغطيه الرّمال لكن لا زال يظهر جزء منه.
هبط من فوق راحلته وترجّل نحو ذلك الشيء وقد بدا صوت الطّفل أكثر وضوحًا وفوجئ بما وجده!
وجد طفلة رضيعة تبكي ملقاة أرضًا تتشبث بها يد مغبرة تخرج من ذلك الشيء المغطى بالرّمال، فاقترب بتوجّسٍ وبدأ ينفض تلك الرّمال فظهرت أمامه امرأة شعثاء غبراء لا تظهر ملامح وجهها من الاتساخ.
مد يده بالقرب من أنفها يتفقد تنفسها فلم يدرك بالتّحديد إن كانت لا زالت تتنفس، فضغط على عنقها قليلًا يتفقد النّبض فشعر بنبض ضعيف فتنهد بأسى ثم اتجه نحو تلك الطّفلة التي تبكي بشدة.
كان ينظر نحوهما لا يدري ماذا يفعل لهما أيتركهما أم يأخذهما معه؟!
لكن صوت صراخ الوليدة المتتابع قد مزّق نياط قلبه فرَقَّ وعزم على إنقاذهما، فنهض واقفًا واتجه نحو راحلته فسحبها مقربًا لها نحوهما، ثم حمل تلك المرأة ووضعها فوق الراحلة باحتراس وقد كانت يدها الأخرى تمسك بسرة تبدو كسرة ملابسها.
ثم اتجه نحو تلك الوليدة الصارخة فحملها وبدأ يربت عليها ويهدهدها فحركت وجهها يمينًا ويسارًا فاتحةً فمها تتضور جوعًا باحثةً عن صدر أمها.
حملها وسار بالراحلة يسحبها حتى وصل إلى أغنامه فوضع الوليدة وأخذ قدرًا وحلب القليل من الحليب من إحدى الماعزات ثم خفف الحليب بالماء من سقائه واتجه نحو تلك الطفلة وحملها في حجره وجلس بها وأخذ يغمس إصبعه ويقطر داخل فمها فبدأت تلعق تلك القطرات المتساقطة، لكن يبدو الأمر صعبًا وقد بدأت الطّفلة تغضب بسبب بطء الرّجل ولا زالت تصيح، فهو يفعل أقصى ما لديه!
وبعد فترة هدأت الطّفلة ويبدو أنها قد شبعت أو ربما ملّت فهدهدها قليلًا حتى نامت فوضعها أرضًا جوار الصّخرة في ظلها.
أنت تقرأ
By : Noonazad. ( إلى طريق النجاة )
Spiritualسنرجع للوراء مئات السنين إلى زمن الجاهلية وصدر الإسلام، كانت أسوأ شيء يخطر ببال أبيها وكثيرًا ما خشى أن يتحقق، نوى قتلها بلا ذنبٍ اقترفته سوى أنها جاءت أنثى. هربت بها أمها لتنجو بها... وتدور أيام وأيام وأحداث وأحداث... إلى طريق النجاة. ملحوظة...